التفكك الأسري – 4 / د. هاشم غرايبه

التفكك الأسري – 4

في هذه الحلقة الرابعة في سلسلة مقالات “مشكلاتنا المعاصرة” ، ولا بد من التذكير أنها تتناول حلول مشكلات جدية تهدد نسيجنا الإجتماعي، ولم تفلح الأساليب التقليدية المستندة الى المنهج السائد (الليبرالي) في معالجتها، بل يبدو أنها فاقمتها.
لذلك فإنني في هذه السلسلة أطرح حلا راديكاليا هوالمنهج الإسلامي، والذي يعتقد بعض السياسيين أنه غير صالح إنطلاقا من فهمهم المغلوط بأن ذلك يعني العودة بالمجتمع أربعة عشر قرنا الى الوراء، لكنهم ينسون أنهم بما يطبقونه الآن مما يسمونه متطلبات العصر والحداثة ما هو إلا من تأسيس “ديكارت” قبل خمسة قرون، ولم يقل أحد عنها أنها فلسفة ماضوية انتهت صلاحيتها.
يبدو جليا أن مأزقنا الراهن كأمة لها خصوصيتها الثقافية ، والتي لم تفلح كل محاولات الحداثيين في لي عنقها وتطويعها لتلتحق بأمم نجحت في بناء نفسها بناء على قاعدة القوة القاهرة وليس التفوق الفكري أو الحضاري، بل أصبح الفكر لديهم واحد من أدوات القوة والتفوق، لأن الرأسمالية لا تملك فكرا حضاريا إنسانيا بل تؤمن بتحقيق المصالح وتعظيم قيم الكسب، لذلك فهي تسعى للتفوق العسكري لحماية ذلك.
يتبين من ذلك أن الليبرالية التي تنتهجها هي إحدى وسائل بناء التفوق على الآخرين، وليست منهجا فكريا يمكن أن يوصل الأمم الضعيفة الى مصافها إن اتبعته، بل سيبقيها في خانة التبعية لأن السماح لها بالصعود سيهدد مصالحها، والتي تعتمد على احتكار التفوق والهيمنة وليس الشراكة والتعاون الإنساني.
بناء على ذلك يتحتم علينا اختيار المنهج الذي يحقق تطلعاتنا، وبما أنه موجود وقد أثبت تفوقه ذات زمن حينما طبقناه على أصوله ووفق مبادئه، فلماذا المكابرة والسير بعكس ما تتطلبه مصلحتنا إرضاء للقوى المتجبرة التي ليس من مصلحتها أن نرتقي لمنافستها!؟.
كلنا ندرك أن التفكك الأسري مشكلة مدمرة للمجتمعات، فلا توجد وحدة بنائية أولية مستقرة تنبني عليها المجتمعات كالأسرة، كل التجارب البشرية البديلة فشلت: الشيوعية لم تستطع أن تجعل “الكولخوز” أي القرية التعاونية أسرة، والتجربة النازية فشلت في تجربة شبيهة، أما الرأسمالية فاعتمدت على الفرد وركزت على تحرره من كل الإرتباطات الأخرى، فأصبحت المجتمعات الغربية عبارة عن أشخاص متشاكسين لا تربطهم سوى المصالح، لذلك ليس مستغربا أن تجد الإبن الغني لا يرى لأبيه الفقير عليه حقا، وقد تجد امرأة ثرية لكن ابنها لا يجد بيتا يؤيه، كما أنه المعتاد أن لا يلتقي الأولاد بوالديهم طوال العام ولا يجتمعون معا إلا ساعات في عيد الميلاد.
الإنسان الطبيعي يشعر بذاته من خلال العلاقة الودية المتبادله داخل الأسرة ، ومتى ما كانت الأسرة مترابطة متكافلة متضامنة فإن ذلك يرتقي أفقيا وعموديا ليصبح المجتمع أسرة واحدة، وعندها يصبح منتجا وفاعلا ومكتفيا بذاته ومن غير حاجة لمؤسسات رسمية تكمل احتياجاته.
لا يوجد تشريع بشري به نص يوازي قوله تعالى: ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا “، فقضاء الله يعنى حكما باتا قاطعا، وربطه أهم واجب على المرء (إفراد الله بالعبادة) بإحسان العلاقة مع الوالدين يجعلها في أعلى درجات التكليف.. إذ بهذه العلاقة تترابط الأسرة ولا تجعل للتفكك إليها سبيلاً.
نصل في النتيجة إلى أن التشريع الإسلامي هو الضابط الأقوى للعلاقة المثلى بين أفراد الأسرة ، والإيمان والتقوى هو الرابط الأمتن للأسرة، فتفككها يؤدي حتما الى الإنحلال المجتمعي العام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى