“التسوّل الصحفي” / نورس عدنان قطيش

“التسوّل الصحفي”

انتشر خبر تسوّل معلّم في إحدى مناطق عمّان العاجية كالنّار في الهشيم، ووقع الخبر مدوّياً على الأسماع حتى كاد أن يطرش الآذان!
طريقة انتشار الخبر وظهور المحتوى الصحفي بإبراز المهنة “معلم مدرسة” بضخامة في الخبر هي الهدف الأساس الذي سعى له ناشر الخبر بالدرجة الأولى قبل مسرّبه من وزارة التنمية -إن صحّ الخبر-.

لكلّ مهنة أخلاقيات يجب التحلي بها للقيام بها بصورة حضارية وإنسانية، لذا فالعمل الإعلامي يتطلب الكثير من أخلاقيات المهنة والمبادئ الإنسانيّة عن غيرها لتأدية الدور بمهنيّة تامّة بعيداً عن المساس بأيّ مقام من شأنه تفتيت النسيج وتخريب المنظومة الوطنية، لما للإعلام دور عظيم في تشكيل آراء العوام ورفع الوعي بدل التجهيل والغوص في الظلام.
من هنا، كان الأجدر بمن نشر الخبر من صحفيين ومؤسسة إعلامية قد خانهم الضمير المهني والشرف الأخلاقي بتعمّد نشر مثل هذا الخبر الذي يمسّ بكيان المعلم وينال من هيبته المباشرة بدوافع كثيرة تدور في فلك الصبيانية الإعلامية وضيق الأفق المهني، ألا يعلم الصحفي بأنه لولا المعلّم ما كتب حرفاً الآن !

على أيّة حال، توقيت الخبر له دلالة واضحة وبالذات بعد إعلان نقابة الصحفيين بمقاطعة المعلّمين نتيجة سوء فهم عقيم وتجييش أرعن نحو الآخر، وهذا لا يمتّ بصلة لأخلاقيات العمل النقابي أيضاً ويسهم في تعظيم الفوارق وشرخ النسيج المهني الوطني بدلاً من درء المفاسد وتعزيز الجوامع.

مقالات ذات صلة

مرّة أخرى، ليس من أخلاقيات ومهنيّة “التنمية” الكشف عن هويّة المتسوّلين، كما لم يسبق لهم عادةً الإفصاح عن معلومات تخصّهم كمهنتهم مثلاً، فلم نسمع يوماً خبراً يفيد بأن موظفاً يعمل في وزارة (س) يتسوّل، والمتسوّلون على الإشارات وبين الأحياء كُثر !
فدور التنمية ليس في الكشف عن هويتهم أبداً وذلك مخالف تماماً لكافة الأخلاق والأعراف الإنسانية، بقدر ما هو دورها تفكيك عصابات المتسوّلين والقضاء على التسوّل بطرق ناجعة تشغّل المحتاج بدلاً من مدّ يد العوز.

أكرر ما أسلفته في مقالات سابقة عن ضرورة عدم المساس بهيبة المعلّم والدور الإعلامي الذي يسهم مباشرة إمّا في الحفاظ عليه أو النيل منه، وما يحصل بكلّ أسف هو النيل منه بوساطة أقلام مأجورة ومتسوّلة تحاول العبث بالتعليم في الأردن عبر محاولات زعزعة مكانة المعلّم صاحب الدور البطولي في النهضة التربوية وعلوّ المكانة التعليمية للأردن.
الخبر من وجهة نظر مجرّدة -إن صحّ الخبر أيضًا- هو حالة واقعيّة لما يعانيه المعلّم من معاش ضئيل مقارنة بالدور المضني الذي يقوم به من بناء وتأسيس للفرد، وهنا يجب من كلّ الجهات المعنية في البلد الإلتفات للمعلّم الذي لم يعد يكفيه معاشه وأخذ يمدّ العون لأبناء وطنه، ليس العار بأن يمدّ اليد للأخوة والأبناء مقارنة بما يمدّه المتسوّلون من ألسنة وأقلام على أعتاب المخرّبين ذوو الأجندات.

من كافّة الأوجه بما يخصّ الخبر هو تبيان واضح لما أسلفت عن وضع المعلّم الإقتصادي والمهني والحملة الشعواء “الممنهجة” لهدم كيانه، وهذا بالمجمل موضع إساءة للدولة والتعليم في الأردن، والتي أصبح فيها المعلم هدفاً لركلات ترجيحية من الصحافة المتسوّلة والأقلام المتكسّرة على عتبات الجهل والخراب.

أيّها المتسوّل الصحفي: من باع قلمه فقد باع ضميره وشرفه ووطنه، ومن لم يقدّر معلّمه لم يقدّر الوطن، فبداية التجنّي عليه دعوة لاحقة للمساس بباقي المقامات الوطنيّة أسوة بالمعلّم، وبذلك الخراب في رابعة النهار للأوطان وهدم لما تبنيه السواعد لسمو الإنسان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى