البالون رقم عشرة / يوسف غيشان

البالون رقم عشرة
يقول صديقي مدحت حمارنة بأن جميع طموحاته في الحياة تحققت ، عدا أمله الدائم في أن يربح البالون رقم 10 في سحبه البالونات متعددة الأحجام المعروفة لدى الأطفال. ويزعم صديقي بأن أول راتب استلمه بعد أن أنهى دراسته الجامعية مهندساً ، هرع به إلى أقرب محل ( جملة) واشترى تلك الكرتونة المرشومة بالبالونات الصغيرة متعددة الأحجام التي تحيط بالبالون رقم 10الذي هو أكبرها وأضخمها.. بدأ صديقي يسحب بالأرقام ويفتحها إلى أن فاز بجميع البالونات عدا البالون رقم 10,. اكتشف صديقي إن هذا البالون لا يربحه احد، بل يبقى في الغالب ملكاً لصاحب السحبة ويوضع ( طعماً ) للأطفال حتى يشتروا بقية أرقام السحبة، لأنه لو كان ضمن أرقام السحب وربحه أحد الأطفال في البداية فأن السحبة كانت سوف ( تبور ).
بعد البحث والتمحيص والاستماع لشهادات عدد من الكهول تبين أن نسبة ضئيلة منهم قد حظيت بشرف الفوز بهذا البالون العتيد، وقد أكد أحد الفائزين بأن الولد صاحب السحبة كان يشتريه منهم بقرشين ونصف ( قرطة ) أو يستأجره منهم بتعريفة ليظل معلقاً على الكرتونة حتى يخدع الأولاد الحالمين بالحصول على البالون رقم 10. كان هذا قبل أن تعمد الشركة إلى إلغاء الرقم 10 من بين الأرقام التي من الممكن أن يحظى بها احد الساحبين .
وخلال ثرثرة صديقي ، لمع في ذهني فجأة بأن لكل واحد منا حلمه الخاص الذي لم يتحقق.. هذا الحلم أو هذه الأحلام أعتبرها تكراراً سمجاً لمأساة بالون رقم 10.
في فترة المراهقة كان طموح أولاد الحارات نظرة متواطئة من (ص) التي لم يحصل عليها أحد منا، وتزوجت وسافرت إلى الخارج وربما صارت كهلة مثلنا…. أي تحولت إلى بالون رقم 10 مفشوش مثلنا ، لكنها ما تزال طموحاً يجسد نفسه فينا كلما جلسنا- نحن الأتراب- معاً وتذاكرنا الماضي ، وما زلت حتى الآن يخفق ما تبقى من قلبي بعنف كلما عرفت فتاة تحمل ذات الاسم… حتى لو كانت أقبح مني!!..
الشركة التي أنتجت ( سحبة ) البالونات تلك لم تدرك أنها ساهمت بشكل أساسي في تصنيع وتنميط دماغ المواطن الأردني في الحب والعلم والسياسة والاقتصاد والاجتماع .. ساهمت في إنتاج مواطن أردني ( ستاندرد ) في كل حارة، وكل زقاق وكل حي .. فكل دماغ أردني حتى الآن يحتوي على حلم غير متحقق…. على بالون رقم عشرة يتضخم باستمرار حتى لتكاد الأردن بأكملها ( أو أكمله ) ترتفع في الفضاء من كثرة البالونات المنبثقة من أدمغة المواطنين.
في الواقع فان البالون رقم عشرة ( حتى لا نظلم الشركة المبتكرة – هو حلم عربي عام ، فلكل عربي بالونه الخاص رقم عشرة !
للعرب جميعاً، فإن فلسطين هي البالون رقم10
للسوريين، الإسكندرونة والجولان !
للعراقيين التخلص من الاحتلال !
لليمنيين جزيرة ( حنيش ) !
لدول الخليج ، طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى !
للمغاربة طنجة وسبته ومليلة الصحراء الجنوبية!
للبوليساريو الصحراء الغربية !
للسودانيين حلايب والجنوب ودارفور!
للبنانيين مزارع شبعا!
للمصريين سيناء مستقلة عن حق وحقيق !!
للأردنيين الحمة ومزرعة الغور والمرشرش ( إيلات )
أما لنا نحن المواطنين أدناه فقد تم تغيير نظام ( السحبة ) عن طريق طرح أنواع تحمل جميع البالونات فيها رقم عشرة، وهي عملاقة من الخارج ، لكن حينما نحاول أن ننفخها تتقلص بدل أن تكبر و تتضخم زلاعيمنا حتى تنفجر!!
الكل يعدنا بالبالون رقم عشرة والكل يخلف الوعد.
اقسم لو حصلت على البالون رقم عشرة أن أفقعه بالإصبع الوسطى.
من كتابي (مؤخرة ابن خلدون) الصادر عام 2006

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى