الباقورة والغمر تبكيان الأمر الواقع وأم الرشراش لا بواكي لها / محمود أبو هلال

الباقورة والغمر تبكيان الأمر الواقع وأم الرشراش لا بواكي لها
محمود أبو هلال

في معرض تسويقها لاتفاقية وادي عربة أمام مجلس النواب في ذلك الوقت وللشعب الأردني المكلوم من خلال إعلامها الرسمي قالت الحكومة: “أنها قررت الدخول في مفاوضات مع اسرائيل لاسترداد الحقوق الأردنية الثابتة في الأرض والمياه والسيادة التامة، وحماية الوطن من التآمر والتهديد، وتثبيتاً لحدود المملكة الأردنية الهاشمية بشكل معترف به دولياً.”
بداية لم يكن الصراع مع إسرائيل مجرد خلاف حدودي بين جارين، كما جاء في تبرير الحكومة البائس، بل كان صراعاً مع كيان استعماري توسعي، ولكن كي يعلم المواطن الأردني الكيفية التي تم فيها التفاوض على أرضه لا بد من الدخول في تفاصيل المعاهدة وما جرى.

ادّعت الحكومة أثناء مناقشة المعاهدة أمام مجلس النواب أن الأردن قد استعاد بموجب نصوص المعاهدة كامل المساحة التي احتلتها إسرائيل دون التنازل عن شبر واحد!!. لكن فعليا بقيت ثلاث مناطق أردنية كثر الحديث عنها فكيف عالجها المفاوض الأردني؟!.

-المنطقة الأولى ما زالت محتلة رسمياً ولم يتم التطرق لها في المفاوضات نهائيا، وأحتلت في شهر آذار عام 1949 أثناء مفاوضات الهدنة بين الأردن وإسرائيل، حين تم خرق خط الهدنة من قبل إسرائيل لفرض أمر واقع ناحية الحدود، فتم الاستيلاء على منطقة أم الرشراش الأردنية التي تقدر مساحتها بسبعة كيلومترات مربعة، والتي أنشأ عليها لاحقاً ميناء إيلات. ” أطلق على العملية العسكرية “عوبدا” وتعني ” الأمر الواقع”.

– المنطقة الثانية هي الغمر في وادي عربة وتمتد داخل الحدود الأردنية بشكل طولي يصل إلى خمسة كيلومترات. احتلته اسرائيل عام 1968 واعتبرتها امتداداً طبيعياً لمستوطنة “تسوفار” وتبلغ مساحته ما يقارب 4000دونم.
-المنطقة الثالثة وهي أرض الباقورة التي احتلها الجيش الإسرائيلي عام 1950 عندما قام بعملية عسكرية اجتاز خلالها نهر الأردن واستولى على أراض في منطقة الباقورة شمال المملكة تبلغ مساحتها 1390 دونما.
في المفاوضات، لم يأت المفاوض الأردني على ذكر أم الرشراش ووافق المفاوض على إدراج المنطقة الثانية “الغمر” والمنطقة الثالثة “الباقورة” تحت نظام خاص، وعليه فإن ما ينطبق على الباقورة ينطبق على “الغمر”. بحيث تعترف إسرائيل بالسيادة الأردنية على أن تضمن الأردن حقوق المزارعين الإسرائيليين فيها، والتي سميت في المعاهدة “حقوق استعمال إسرائيلية خاصة تتعلق بالأرض”. وفي حال أقر الأردن بملكية اسرائيل لأراضي الباقرة فذاك يعني اعترافا بملكية أرض الغمر كما تبيّن المعاهدة!!.
———–
تنص المعاهدة في الملحق 1 (ب) على تطبيق نظام خاص على منطقة الباقورة في الأغوار الشمالية تعترف إسرائيل من خلاله بالسيادة الأردنية على هذه المنطقة، إلا أن ذلك متبوع بعبارة تقول أن المنطقة فيها حقوق ملكية أراض خاصة ومصالح مملوكة إسرائيلية (المتصرفون بالأرض)، وبالتالي يتعهد الأردن وفقًا للمعاهدة بأن يمنح، دون استيفاء رسوم، حرية غير مقيدة للمتصرفين بالأرض وضيوفهم أو مستخدميهم، بالدخول إليها والخروج منها واستعمالها وألا يطبق الأردن تشريعاته الجمركية أو المتعلقة بالهجرة على المتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم الذين يعبرون من إسرائيل إلى المنطقة بهدف الوصول إلى الأرض لغرض الزراعة أو السياحة أو أي غرض آخر يتفق عليه، وأن يتخذ الأردن كافة الإجراءات الضرورية لحماية أي شخص يدخل المنطقة حسب هذا الملحق والحيلولة دون مضايقته أو إيذائه. بالإضافة إلى هذا، يسمح الأردن بدخول رجال الشرطة الإسرائيلية بلباسهم الرسمي إلى المنطقة لغرض التحقيق في الجرائم أو معالجة الحوادث الأخرى المتعلقة حصرًا بالمتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم!
———
في ظل بنود الاتفاقية فإن مفهوم السيادة على المنطقتين الباقورة والغمر غير قائم لأن المفهوم من وجهة النظر الدولية يكون بسيطرة الدولة على أراضيها وسكانها وثرواتها.
أما المنطقة الأولى التي أغفلها المفاوض الأردني كان بالإمكان التطرق لها الحد الأدنى وتحصيل بعض المكاسب في ذات المفاوضات استنادا للشرعية الدولية.
الآن وبعد 23 عاما على اتفاقية وادي عربة وبالعودة لما قالته الحكومة عن استرداد الحقوق الأردنية الثابتة في الأرض والمياه والسيادة التامة كغاية وأسباب موجبة للدخول في تلك المفاوضات اتضح لنا كشعب مغيب أن حكومتنا دخلت تلك المفاوضات ليس لصالح الأردن وإنما لتثبيت الأمر الواقع الذي أرادته اسرائيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى