الانتخابات الفرنسية تحديات وأولويات / د.رياض ياسين

الانتخابات الفرنسية تحديات وأولويات

مفاجأة تقدم ‘ماكرون’ في الجولة الاولى من الانتخابات الفرنسية ستكون بمثابة خطوة لإعادة الاصطفاف السياسي، لا في الحياة السياسية الفرنسية وحدها، ولكن في الحياة السياسية الغربية الأوروبية بوجه عام، على نحو ينقلها من الانقسام سياسيًا إلى يمين ويسار،الى صراع حول أولويات وطروحات بين النخب المختلفة بما يعني أن الخريطة السياسية الأوروبية ذات الديمقراطيات الحزبية العريقة ستتغير حتما.ففي فرنسا حسب قراءة الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة فإن المعركة التقليدية بين اليمين واليسار لم تعد هي سيدة المشهد الانتخابي بل بين الوطنيين (القوميين) وبين انصار الانفتاح والعولمة.

هناك ظروف فرضت نفسها على المشهد الانتخابي في فرنسا داخلية وخارجية، حيث داخليا حالة من السخط وعدم الرضا على الأحزاب التقليدية وسياسة ساعات العمل، وخارجيا حول الموقف من الاسلام والبقاء ضمن الاتحاد الاوروبي، والموقف من الهجرات الجماعية خاصة من العالم الاسلامي.

الاستطلاعات تشير الى تقدم المرشح التقدمي المستقل “ايمانويل ماكرون”،رغم أن الاستطلاعات السابقة كلها كانت تشير الى ان النتائج ستكون لصالح زعيمة حزب الجبهة الوطنية المناهض للمؤسسة السياسية الفرنسية والمعارضة للعولمة والانفتاح والتي تريد أن تعيد فرنسا الى عهد الفرنك بدلا من اليورو.

مقالات ذات صلة

يبدو أنّ النقاشات الفكرية القديمة بين اليسار واليمين لم يعد لها حضور،وقد ظهر في الانتخابات التمهيدية أنَّ النقاشات بشأن العلمانية والهجرة والأمن والاسلام، تمثِّل الآن خط الانقسام الأساسي الذي يشمل جميع نقاط الاختلاف. فلم يعد الانقسام بين اليسار واليمين، بل بين الوطنيين (القوميين) وأنصار العولمة.

خطورة المشهد الانتخابي الرئاسي أنه ولأول مرة في تاريخ الحياة السياسية الفرنسية خرج اثنان من الاحزاب السياسية الفرنسية العريقة وهما الحزب الاشتراكي والجمهوري اليميني من الجولة الاولى. وهناك سابقة ان الرئيس الحالي هولاند لا يريد ان يترشح لولاية رئاسية ثانية وهذه الخطوة هي الاولى منذ العام 1958م حيث جرت العادة ان يتم الترشح لولايتين مدة كل منها خمس سنوات.

يأتي صعود ‘ماكرون’ في وقت تصاعدت فيه المخاوف الأمنية. فقد لقي أكثر من 230 شخصًا حتفهم في فرنسا إثر هجمات شنَّها متطرفون إسلاميون خلال العامين الماضيين. كان آخرها الهجوم الأخير الذي وقع في 18 آذار/مارس، ونجم عنه ان سقط خلاله قتيلا. ويبدو أن تراشق الاتهامات بين المرشحين بخصوص الاصولية الإسلامية بات واضحا،فهناك اتهامات وجهتها لوبين بعد الهجوم الاخير للمرشح ماكرون بانه يتراخى في هذا المجال، واستخدمت عبارة “الجبن” في مواجهة الأصولية الإسلامية.

وتشمل مواقف ‘ماكرون’ السياسية الأخرى من موضوع الإرهاب مثلا ما نقل عنه ، أنه يرى بأنَّ الحل الملائم للإرهاب الجهادي هو المزيد من الفيدرالية الأوروبية،بمعنى التعاون وتعزيز وحدة اوروبا،فبرأيه أن اوروبا القوية الموحدة هي الضمانة لتحقيق الأمن الداخلي للدول الأوروبية ومن الاهمية بمكان على مايبدو تعزيز التعاون الاستخباري وإنشاء.

يرى ‘ماكرون’ أن َ السياسات الأمنية الفرنسية تستهدف المسلمين وإنَّه “لا ينبغي أن تُشهر العلمانية كسلاح في وجه الإسلام”.ولطالما ترددت داخل أوساط الرئاسة الفرنسية في سنوات حكم هولاند الخمس الماضية أن “فرنسا لديها مشكلة مع الإسلام”، أما “ماكرون” فيبدو أنه ينظر للعلمانية على أساس انها هي المفتاح للحل من منطلق أن هناك عدة اديان داخل فرنسا وان الدولة مفروض ان تكون على مسافة واحدة من الجميع وهذا جوهر العلمانية.وقد صرّح “ماكرون” أكثر من مرة بأن “داعش” لا يمت بصلة للتعاليم الإسلامية،بمعنى انه ينظر على أساس ان المشكلة ليست في الإسلام بل ببعض من لديهم ادعاءات وسلوكات متطرفة باسم الاسلام.

rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى