الأمانة / د . فخري النصر

بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72
عرض الله سبحانه وتعالى الأمانة وهي طاعته وفرائضه وحدوده على السموات والأرض والجبال على ان يحملنها, أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت ، وإن ضيعت عوقبت ، فأبت حملها إشفاقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها ، وحملها الإنسان ، إنه كان ظلوما جهولا , والمقصود هنا ان الله سبحانه وتعالى عرض الامانة على اهل السموات وهم( الملائكة ) واهل الارض وهم (الانسان ) فأبى الملائكة حمل الامانة لانهم مسيرين , وحملها الانسان لأنه مخير .
الأَمانَةُ هي أداء الحقوق والواجبات والطاعات ، والمحافظة عليها، فالمسلم يعطي كل ذي حق حقه؛ يؤدي حق الله في العبادة، ويقوم بالواجبات الموكلة له ,ويحفظ جوارحه عن الحرام، ويرد الودائع… إلخ. وهي خلق جليل من أخلاق الإسلام واخلاق الديانات الربانية ، وأساس من أسسه، فهي فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضها اهل السماوات (الملائكة) أن يحملنها لعظمها وثقلها, وان الملائكة مسيرين وليس مخيرين.
والأمانة ضد الخيانة، وأصل الأَمْن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمانة مصدر أمن بالكسر أمانة فهو أمين, قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾[النساء: 58,وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]. والأمانة كلمة واسعة المفهوم ، يدخل فيها أنواع كثيرة منها :
– الأمانة العظمى وهي الدين والتمسك به قال تعالى : ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أبين حملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ) , وتبليغ هذا الدين أمانة أيضاً ، فالرسل أمناء الله على وحيه ، قال صلى الله عليه وسلم : (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء ) وكذلك كل من جاء بعدهم من العلماء والدعاة، فهم أمناء في تبليغ هذا الدين , قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27 .
– الامانة هي كل ما أعطاك الله من نعمة فهي أمانة لديك يجب حفظها واستعمالها وفق ما أراد منك المؤتمن ، وهو الله جل وعلا ، فالبصر أمانة ، والسمع أمانة، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، واللسان أمانة ، والمال أمانة أيضاً ، فلا ينفق إلا فيما يرضي الله , فلا يجوز ان تهلك جسمك بالمخدرات والمشروبات الروحية او تؤذي نفسك بالأفكار الملحدة وافكار التطرف والقتل او افكار الانحراف الجنسي والشذوذ قال تعالى :{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }الإسراء36 .
– العرض والشرف أمانة ، فيجب عليك أن تحفظ عرضك ولا تضيعه ، فتحفظ نفسك من الفاحشة ، وكذلك كل من تحت يدك ، وتحفظهم عن الوقوع فيها ، فلا تنظر الى المحرمات والى افلام الاباحة الجنسية , لان العين تزني وزنها النظر والتمعن بالأفلام الجنسية والتعري , وهذا يوثر على غدد البروستات المسؤولة عن تنظيم افراز الحيوانات المنوية والاثارة الجنسية فيكون لها تأثير سلبي على النفس , قال أبي كعب رضي الله عنه : من الأمانة أن المرأة اؤتمنت على حفظ فرجها , قال تعالى :{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً }الإسراء32 .
– السر أمانة ، وإفشاؤه خيانة ، ولو حصل بينك وبين صاحبك خصام فهذا لا يدفعك لإفشاء سره ، فإنه من لؤم الطباع ، ودناءة النفوس ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة ) ومن أشد ذلك إفشاء السر بين الزوجين ، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها.
– العمل الذي توكل به أمانة ، وتضييعه خيانة ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، قال : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ).
– ومهنة التعليم هي امانة والمعلم هو اكبر آمين على الارض بعد الرسل والانبياء عليهم السلام امانة , وأمانتهم ورثوها عن الانبياء والرسل, وهم رسل رسل الله في الارض , تقع عليهم مسؤولية كبرى في تربية وتنشئة العقول والاجيال , ونشر العلم والمعرفة , وتنوير الطريق ورسم المسار الصحيح لهم , ولهم دور كبير في الكثير من الاختراعات والمكتشفات, وتيسر الحياة ورفاهيتها .
في الخمسينات والستينات من القرن الماضي كان المعلم هو المصدر الوحيد للمعلومة والمعرفة , فكان المعلم يدرس الطلاب ويعلمهم القراءة والكتابة وامور الدين , ويعلم السياسية والاقتصاد , ويشرح عن وسائل الاتصال التي كانت موجودة في وقته , وكان يقرا ويكتب رسائل الحب والعشق بين العشاق , ويحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في القرية وكان المعلم آمين .
وكانت القرية في ذلك الوقت بسيطة فقيرة مظلمة يعم الجهل والخرافة على افرادها , وقلة من شبابها من يجيد القراءة والكتابة وخصوصا القران الكريم سوى المعلم او رجل الدين , وكان المعلم آمين ومؤتمن كان يدرس بكل ثقة وامانة .
اليوم ونحن في عصر الثورة المعلوماتية المتزايدة وعصر الاتصالات الرقمية والو تسب والفيس بوك ويستقرام وغيرها من مصادر الاتصالات المعرفية المنتشرة بين الصغير قبل الكبير يأتي دور المعلم الامين , والامانة في التعليم والتدريس والتقويم , والتدريس بناءا على طرق التدريس الحديثة من استقصاء وحل مشكلات وعصف ذهني وذكاءات متعددة وغيرها للتناسب مع العصر ومع التكنولوجيا والرفاهية الحديثة , وتعليم الابناء طرق العلم الصحيحة وطرق البحث العلمي والتقصي والتنقيب عن المعرفة الصحية الموثقة , والابتعاد عن منابع الشر ومصادر الارهاب والتشكك في الدين والعقيدة.
الامانة في التعليم والتدريس خاصة للأبناء الصغار, فعقولهم مثل العجينة تستطيع ان تشكل منها ما تريد , وقت ما تريد, فعلمهم اصول الدين والصلاة وصلة الرحم والتعاون والمحبة والاخلاق الحميدة والتسامح والحب والاخاء والعطاء والعيش بسلام , والابعاد عن الارهاب والتطرف والتشكيك والحقد والكراهية والانحلال الخلقي والديني , والاباحة والتعري من الملابس والتعري من الاخلاق .
الامانة في التعامل مع الطلاب والمعلمين والادارة المدرسة والمجتمع المحلي , ونقل المعلومة الصحيحة من والى الطالب .
الأمانة هي التعامل مع طرق والاستراتيجيات التدريس الحديثة ومواكبة العصر التكنولوجيا وطرق التقويم الحديقة والمشي مع العصر الحديث.
الدكتور فخري النصر
27/11/2015

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى