الأمن المشترك / سهير جرادات

الأمن المشترك
سهير جرادات

لا يوجد هناك ما يسمى (أمن ناعم) ، أو( أمن خشن) ، بل هناك شيء واحد اسمه أمن مشترك ، بطرفيه: المواطن ورجل الامن، وهما مسؤولان عن ترسيخ دعائم الامن الوطني ، دون أن يتطاول أحدهما على الآخر ، فلا يختبئُ صاحب الزي الأمني خلفه ، ليرعب الناس بسوء استخدام السلطة التي تمنحها له الرتب والشارات العسكرية، والتي تميز بها بالأصل ليحافظ على الأمن، لا أن يزعزعه بنشر الرعب بين الناس وإهانة كرامتهم، وفي الوقت نفسه لا يتطاول المواطن على رجل الأمن ، ويسيء لهيبته التي ترمز لهيبتنا نحن المواطنين ولهيبة وطننا الغالي.

بالتأكيد لن نخوض في تفاصيل قضية الفيديو الذي انتشر اخيرا، والذي يظهر فيه تطاول مواطن لفظيا على رجل الامن- رقيب سير- بنعته بـ ” الزنخ “، وبالتالي تطاول رجل الامن على المواطن بطريقة لا تتناسب مع رجل أمن؛ يستخدم القوة ويرفع يده على المواطن بالضرب ، لينزل بذلك من برجه العالي ، ويتنازل عن هيبته دفاعا عن كرامته الشخصية ، فالإساءة اللفظية التي طالته فردية، ولم تطل جميع الكوادر الامنية .

نتفق أن تصرف الطرفين كان خاطئا ،ولا نريد أن نخوض في الاسباب والدوافع؛ لان الفيديو يظهر جزءا من الحادثة ، وبذلك من غير المنصف أن نعطي رأينا، والأمر الان أمام القضاء ليفصل في الأمر ، بعد أن سارع ذلك المدير الفاضل لجهاز الامن العام ، والذي له من اسمه نصيب بتحويل الطرفين إلى القضاء الشرطي ليقول كلمته العادلة .

دعونا نعترف بأن هناك خللا واضحا في العلاقة بين رجل الامن والمواطن ، تعود جذورها إلى مراحل الطفولة التي رسخت الخوف والكره لرجل الامن ، من قبل الأهل والأمهات باستخدام اسلوب التهديد برجل الامن في حال رفضنا الانصياع لأوامر النوم المبكر ، أو عدم تناولنا للطعام ، لا ندري إن كان اسلوبا خاطئا في التربية ، أم أنه مرتبط في أذهان الآباء والأمهات بقصص وحوادث راسخة في الذاكرة والوجدان، كما اتفقنا لن نخوض في الاسباب وتحليلها ، إلا أننا كبرنا والخوف يلازمنا والكره يرافقنا ، وأصبح رجل الأمن مصدرا للرعب بدلا من الحماية ، وبقيت العلاقة بين المواطن ورجل الامن تراوح مكانها بين الشد والجذب ، وبين الأمن والخوف.

مقالات ذات صلة

لكن من المؤكد أنه آن الأوان ليتخلى رجل الامن عن سوء استخدامه للسلطة ، وانتهاجه للاسلوب الخاطئ باستخدام الضرب والاساءة اللفظية تجاه المواطنين سواء العزل أو أصحاب الاسبقيات ، كما على المواطن أن يتخلص من الازدواجية في المشاعر التي يحملها تجاه رجال، الامن والتي هي خليط من الحب والكراهية.

الموضوع لا يحتاج “روحة لعند القاضي “، فالملك في لقاء له مع مدير الأمن السابق وضع يده على الجرح في مجالات تطوير الأداء الشرطي ليقوموا(رجال الامن) بدورهم في خدمة المواطنين وحماية حقوقهم وحرياتهم، وعكس صورة الأردن الحضارية من خلال ترسيخ مبدأ سيادة القانون ، وأن تكون العلاقة بين رجل الأمن والمواطن مبنية على الاحترام المتبادل ، ولا يكون ذلك إلا من خلال توفير برامج تدريبية لمنتسبي الأمن للرفع من سوية قدراتهم في التعامل مع المواطنين والمشكلات لترسيخ المنظومة الامنية، إلى جانب الالتفات نحو أمر في غاية الاهمية، وهو تحسين الظروف المعيشية لهم لتعزيز مكانتهم وكرامتهم التي بالتالي تنعكس ايجابا على كرامة البلد والمواطن .

من الواجب تنفيذ توجيهات القائد الاعلى بجدية ، وصولا إلى تخلي رجال الأمن عما تعود عليه بعضهم ، والأمر لا يحتاج إلا للتدريب والتأهيل ليتضح الخط الفاصل بين السلطة وسوء استخدامها ، وبالتالي نصل إلى ردم الهوة وتضييق الفجوة بين رجال الأمن والمواطنين.

من المتعارف عليه أنه على رجل الامن أن يمتاز بقدرته على امتصاص غضب المواطن ، لا أن يطبق القوانين على المواطنين بطريقة استفزازية ، وقمعية ، مما يرسخ الصورة النمطیة لثقافة التعامل مع رجال الامن على أساس العلاقة غير المنسجمة .

لا يختلف اثنان على أن رجل الأمن يفرض النظام، ويحمي المواطن من المجرمين ومروجي المخدرات ومتعاطيها ، ويطارد العصابات التي ترتكب جرائم الإرهاب ، لذا فإنه من اشد المتأثرين بالأحداث الأمنية التي تدور حوله ، مما قد يعرضه لضغوطات في العمل الذي يؤدي إلى بعض الاضطرابات النفسية في أثناء تأدية مهامه المهنية ،حيث أشارت دراسات كثيرة إلى تأثير مثل هذه الضغوط على أداء رجل الشرطة وصحته النفسية ، خاصة بعد ما شهدته المنطقة العربية من أحداث دامية ، وانتشار ثقافة الموت والقتل، التي ارتفعت معها وتيرة الخوف الشديد على الوطن والحفاظ على أمنه ، الأمر الذي يزيد من نسبة العنف والكراهية داخل المجتمع الواحد .

ان تداول الاعلام الجديد لعدد لا بأس به على مدار السنوات الأخيرة من مقاطع الفيديو التي تشير الى اعتداءات من قبل رجال الامن ضد المواطنين ، جعل المواطن يشعر بأن حقه مهضوم ، ولخوفه من أن تتم “لفلفة القصة” ، أخذ ولغايات تحصيل حقه ،بتحصين نفسه بالإثباتات والبراهين ،باللجوء إلى تصوير ما يجري معه ،كدليل يدافع به عن حقه، وكذلك لعدم قناعته بعدالة النتائج التي تخرج من لجان التحقيق التي تشكل بعد اي حادثة تحال إلى التحقيق ، وتنتهي في الغالب بجاهة وصلحة عشائرية.

قد نكون ممن ينادون برفع سوية رقباء السير تحديدا ، بأن يكونوا من حملة الشهادة الجامعية ، ليتمكنوا من مخاطبة السواد الاعظم من المواطنين بوعي ومسؤولية.

ولا ننكر بأن ثقافة العنف واستخدام اليد بالتطاول بالضرب هي جزء من ثقافتنا المجتمعية مع الاسف التي نجدها تنتشر في بعض بيوتنا ومدارسنا وحاراتنا وشوارعنا وجامعاتنا ووزاراتنا ومؤسساتنا وحتى تحت قبة البرلمان.

إن الاوضاع المعيشية الصعبة وما خلفته من بطالة وفقر وعنف ، يوجب على الحكومات التوجه نحو تحسين الرواتب والامتيازات لمنتسبي أجهزتنا الأمنية الذين نحترمهم ، حتى لا نسمع عبارات من اصحاب المحلات التجارية لطمأنتنا بعدم مخالفة مركباتنا: ” عندي ما يهمك “، وهذا كلام يجب التوقف عنده ، وحتى لا تكون اجابة الجهات الامنية : ” جيب اثباتات !”.

نعم الاثباتات تكون بتعميم تزويد جميع المنتسبين من الجهات الامنية بكاميرات صوت وصورة – كتلك التي وزعت على نطاق محدود – ليسجل رجل الامن أي اساءة بحقه ، لأخذ حقه ممن يتجرأ بالتطاول عليه وعلى جهاز له الفضل علينا في ترسيخ دعائم الامن والأمان .

إذا كان هذا هو العنف المصور الذي يصل إلى المواطن، فكيف حال ما يجري خلف الأسوار في المراكز الأمنية ؟ وما يدور داخل السجون، ومركز التوقيف والإصلاح ؟

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى