اشكالية الحاكمية في الجامعات الأردنية / د . خليل عمرو المشاقبه

اشكالية الحاكمية في الجامعات الأردنية …..

اشارت دراسة علمية الى مكامن الخلل فيما يتعلق بأداء الجامعات الأردنية وأرجعته الى ضعف تطبيق معايير الحاكمية الجامعية في هذه الجامعات, وأوصت هذه الدراسة بضرورة دراسة امكانية التحول الى اسلوب الانتخاب فيما يتعلق بأسس اختيار رئيس الجامعة والقيادات الادارية الأكاديمية ومن كافة المستويات طبقاً لأفضل الممارسات العالمية في هذا المجال, اضافة الى ربط الدعم الحكومي المقدم لهذه الجامعات بمستويات الأداء التعليمي ومخرجات البحث العلمي وخدمة المجتمع.

فقد توصلت الدراسة التي اعدها الباحث والأكاديمي الدكتور خليل عمرو المشاقبه وضمّنها اطروحته للدكتوراه في تخصص الادارة والموسومة بـــــ (الحاكمية الجامعية وأثرها في تحقيق التميز المؤسسي: دراسة تطبيقية في الجامعات الأردنية), الى التأشير على بعض مكامن الخلل في اداء بعض الجامعات الأردنية من خلال التعمق في دراسة معايير الحاكمية الجامعية مروراً بأفضل الممارسات العالمية التي اتخدت من الحاكمية الرشيدة المدخل المناسب لتحقيق تميز الاداء الجامعي والمؤسسي لتلك الجامعات العالمية وبما اهّلها لتصدر جميع القوائم العالمية كأفضل الجامعات في العالم.
وقد سعت هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية:
1. التعرّف على واقع تطبيق الحاكمية المؤسسية في الجامعات الأردنية, إضافة الى الأهمية النسبية لمعايير الحاكمية الجامعية (الشفافية والإفصاح، مشاركة أصحاب المصالح، مسؤوليات مجالس الجامعة، عدالة التعامل مع أصحاب المصالح، تطبيق قوانين وأنظمة التعليم العالي) في هذه الجامعات من وجهة نظر أعضاء الهيئة التدريسية فيها.
2. التعرف الى أثر تطبيق الحاكمية المؤسسية في تحقيق التميّز المؤسسي في الجامعات الأردنية, إضافة إلى تقديم بعض المقترحات والتوصيات ذات الصلة بهذا الموضوع.
لقد اجتهد الباحث في عملية اجراء المقارنة المعيارية المرجعية(Benchmarking) في سبيل اضاءة ودراسة تجربة اهم الجامعات العالمية الموقة في سبيل الاستفادة منها وتطبيق ما يتوافق منها في الجامعات الأردنية, حيث تواجه مؤسسات التعليم العالي في المجتمعات العربية بشكل خاص عديداً من التهديدات والتحديات فيما يتعلق بتنافسيتها لتحقيق التميّز والاستدامة في بيئة الأعمال.
حصل ذلك بفعل الثورة الحاصلة في مجال الاتصال, والتطور التكنولوجي, والانفتاح الاقتصادي والثقافي المعرفي, ذلك الذي فرضته متطلبات العولمة، وقد تطلب ذلك مواجهة هذه التحديات بطرق مبتكرة وغير تقليدية, وذلك من خلال التغيير والتطوير وإجراء التحسينات المستمرة في أساليب ونظم العمل المختلفة في هذه المنظمات.
اشارت الدراسة ان قطاع التعليم العالي في الأردن ممثلاً بالجامعات والمعاهد العامة والخاصة يتولى تعليم ما يقارب من (304,660) طالباً وطالبة يشملهم طيف واسع من التخصصات الأكاديمية العلمية والإنسانية, ويوظف هذا القطاع ما يقارب من (30,000) موظفاً يتوزعون بين أعضاء الهيئات التدريسية والإدارية (هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي, 2015)، وهو ما يشير إلى الأهمية الكبيرة التي يحجزها هذا القطاع فيما يتعلق بدوره الكبير في المساهمة في دعم الاقتصاد الوطني, في سبيل الوصول إلى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال تنمية الموارد البشرية الوطنية.
جاءت الدراسة لتوضيح مدى تطبيق الحاكمية الجامعية في الجامعات الأردنية، وقياس أثر تطبيق الحاكمية المؤسسية في تحقيق التميّز المؤسسي في هذه الجامعات.
ولقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من الاستنتاجات والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
1. تشكّل الحاكمية المؤسسية الجامعية من خلال عناصرها المختلفة المدخل المناسب القادر على تحفيز ودفع جميع أصحاب العلاقة بالجامعة من (العاملين داخل الجامعة, والطلاب وباقي أعضاء المجتمع الخارجي) للعمل بجد ونشاط في سبيل تحقيق أهداف واستراتيجيات هذه الجامعات وتثبيت شرعية وجودها في مجتمعها وازدهارها, وقد تبين مدى الحاجة الماسة للجامعات الأردنية لتعزيز جهودها في سبيل زيادة تطبيق معايير الحاكمية الجامعية من أجل الوصول إلى مخرجات أداء أعلى.
2. توصلت الدراسة أن لا سبيل للجامعات الأردنية العامة والخاصة للمحافظة على بقائها ونجاحها وازدهارها سوى التكيّف مع الظروف العالمية التي تتسم بشدة التنافسية, ويتم ذلك من خلال انتهاج مداخل التميز المؤسسي المستندة إلى معايير عالية من الحاكمية الرشيدة.
3. أظهرت نتائج الدراسة انخفاض نسبة العاملين من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية من الإناث, وهو ما يعكس غياب التمكين والتمثيل الكافي للمرأة الأردنية في قطاع التعليم العالي (الجامعات), وهو انعكاس منطقي لنفس الإشكالية المزمنة التي تشهدها الكثير من القطاعات الوطنية اليوم.
4. هناك أثر لتطبيق معايير الحاكمية المؤسسية الجامعية في تحقيق التميز المؤسسي في الجامعات الأردنية التي شكلت عينة الدراسة, مما يؤشر الى الجهود الكبيرة المطلوبة من قيادات هذه الجامعات لتعزيز قدراتها من خلال العمل على تكثيف تطبيق الحاكمية المؤسسية في هذه المؤسسات في سبيل الارتقاء بمستواها.
5. جاءت تصورات عينة الدراسة تجاه معيار الشفافية والافصاح عن الأمور المالية والادارية الأخرى ايجابية بشكل عام ولكن بدرجة متوسطة, مما يؤشر إلى أهمية هذا المعيار لمجتمع الجامعات الأردنية.
6. تحتاج الجامعات الأردنية إلى تعزيز مبدأ اشراك أصحاب المصالح (ذوي العلاقة) بالجامعة في عمليات صنع القرار الجامعي, لأهميتها في تحقيق التمّيز في الأداء.
7. أن مجالس الجامعات تتبنى السياسات الداعمة للبحث العلمي وبدرجة مرتفعة, مما يؤشر إلى أهمية البحث العلمي واستخدامه كرافعة للوصول إلى تميز هذه الجامعات وتحسين مخرجاتها.
8. تبين وجود أنظمة للمكافآت تتبناها الجامعات عينة الدراسة, ولكن تبين عدم كفاية الأسس التي تربط منح المكافآت بالأداء والإبداع والتميز من قبل العاملين الأكاديميين والاداريين.
9. عكست الدراسة الدور المهم المناط بالقيادة الادارية الأكاديمية الجامعية والمتعلق بمسؤوليتها عن تبني وصياغة الاستراتيجيات والاتجاه والرؤية للجامعات الأردنية.
وقد اقترحت الدراسة بعض التوصيات في سبيل المساهمة في جهود الاصلاح لمؤسسات التعليم العلي في الأردن نجملها بالتالي:
1. تبنّي القيادات الجامعية معايير الحاكمية المؤسسية كاستراتيجية تقع مسؤولية تطبيقها الزامياً على العاملين وجميع ذوي العلاقة بالعمل الجامعي.
2. ضرورة الالتفات الى اعادة النظر بأسس تمويل الجامعات الأردنية من خلال ربط سياسات الدعم الحكومي بمستويات الأداء, في سبيل تحفيز روح التنافس الايجابي بين الجامعات الأردنية للوصول إلى التميز في الأداء, ويمكن أن يتم ذلك من خلال استحداث جائزة خاصة بتميز الأداء الجامعي, تختص بالجامعات الأردنية, وإضافتها الى سلسلة الجوائز الوطنية التي يرعاها مركز الملك عبدالله الثاني للتميّز, مع ضرورة ربط الدعم المالي الحكومي لهذه الجامعات مع نتائج الأداء التي تتوصل اليها هذه الجوائز.
3. العمل على تطوير وإصدار دليل الحاكمية الجامعية والحرص على تطبيقه وفقاً لأفضل الممارسات العالمية.
4. تعزيز ودعم القيادات الجامعية للممارسات الأخلاقية المتعلقة بقيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص, من خلال الممارسات الإدارية والتطبيق الفعلي ومقاربة ثقافة القدوة.
5. العمل على رفع مستوى مشاركة جميع أصحاب المصالح من فئات (العاملين, الطلاب, المجتمع, الشركاء, الجامعات الأخرى, المؤسسات الحكومية ذات العلاقة, وغيرها) في عمليات صنع القرار في الجامعات, يتم ذلك من خلال توفير قنوات الاتصال المناسبة التي تتيح لجميع أصحاب العلاقة بالجامعات الأردنية طرح آرائهم ومقترحاتهم حول تطوير العمل الجامعي.
6. وضع أسس منهجية وعادلة لاختيار القيادات الجامعية (رؤساء الجامعات, رؤساء المجالس المختلفة, العمداء, رؤساء الأقسام الأكاديمية), ودراسة امكانية تطبيق نظام الانتخاب الذي تطبقه الجامعات العالمية المرموقة. ويمكن أن يتم ذلك من خلال العمل على اقتراح واجراء التعديلات اللازمة على التشريعات والقوانين والأنظمة التي تقف في وجه تطبيق أسلوب الانتخاب من قبل أعضاء هيئة التدريس واﻹداريين والطلاب فيما يخص اختيار القيادات الجامعية.
7. العمل وفق مدخل حلقات الجودة (Quality Circles) وذلك لدراسة أهم المشاكل والمعوقات التي تعترض انجاز العمل وإيجاد الحلول لها من خلال تشكيل فرق العمل متنوعة الاختصاصات التي تحقق (التداؤبية) في العمل, اضافة الى استخدام سياسات التحفيز والمكافآت المبنية على عمل الفريق وربطها بالإنجاز المتميز وعلى أسس عادلة وشفافة.
8. وضع الخطط الاستراتيجية بناءً على نتائج تحليل البيئة الجامعية الداخلية (عناصر القوة والضعف) والخارجية ( الفرص والتهديدات) للمجتمع الذي تعمل فيه الجامعة, وبناءً على مصادر واسعة ومتنوعة للمعلومات, اضافة الى العمل على اشراك جميع ذوي العلاقة في صياغة هذه الخطط والسياسات وعمليات التنفيذ.
9. تبني القيادات الجامعية نهج اللامركزية وتفويض السلطات والصلاحيات للمستويات الإدارية والأكاديمية المختلفة, وهو ما يساهم في تمكين العاملين من القيام بواجباتهم وتسيير أعمالهم بطرق أكثر فعالية إضافة إلى السرعة في اﻹنجاز.
10. العمل على تمكين أكبر للمرأة العاملة في مؤسسات التعليم العالي, سواءً في المناصب الأكاديمية أو الإدارية في هذه الجامعات, ويمكن تنفيذ ذلك من خلال إفراد حصة من المناصب الأكاديمية والإدارية ورئاسة وعضوية المجالس واللجان الأكاديمية للعنصر النسائي, على أن يتم ذلك وفق أسس من الجدارة والكفاءة والمنافسة, تعزيزاً لتمكينهن من الحضور والمشاركة في قيادة الجامعات الأردنية.
11. ضرورة أن تحرص الجامعات الأردنية على ممارسة المسؤولية الاجتماعية, من خلال تخصيص نسبة من المنح والبعثات والمقاعد الجامعية لأبناء المجتمع المحلي من الفقراء والمعوزين, اضافة الىتخصيص البرامج التدريبية لأبناء المجتمع المحلي تسهم في تهيئتهم لسوق العمل, واستخدام الموارد غير المضرة بالبيئة.
12. ضرورة اهتمام القيادات الإدارية والأكاديمية بمواردها البشرية, ويتم ذلك من خلال تعزيز القوانين والنظم والسياسات العادلة فيما يتعلق بالتحفيز والمكافآت, تعزيز الدور الاستراتيجي لإدارة الموارد البشرية داخل الجامعة, اضافة الى تحسين وظائف الموارد البشرية المتعلقة بــ (الاستقطاب, التعيين, التدريب والتطوير).
13. وأوصت الدراسة ايضاً بإجراء الدراسات التالية:
أ‌. تطبيق هذه الدراسة من خلال استطلاع وجهة نظر طلاب الجامعة الذين يعتبرون من أهم فئات أصحاب المصالح التي تبنى عليهم الاستراتيجيات والسياسات الجامعية.
ب‌. تطبيق هذه الدراسة من خلال استطلاع وجهة نظر المجتمع الذي يشكل البيئة التي تعمل فيها هذه الجامعات.
ت‌- إجراء هذه الدراسة باستخدام المتغير التابع (تميز الأداء المؤسسي), ضمن اربعة أبعاد فرعية للأداء الجامعي والمتعلقة بـ (الأداء التعليمي, الأداء فيما يتعلق بمخرجات البحث العلمي, الأداء المالي, الأداء المتعلق بخدمة المجتمع), مع اضافة الدور المعدل للقيادة الادارية الجامعية.

kmashaqba@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى