ابن اخو الحجي / جمال الدويري

ابن اخو الحجي
يحكى ان فلاحا اشترى بغلا لقضاء اعماله الزراعية، من عجوز ذات حيلة ودهاء، وفي اليوم التالي طلب الفلاح من ابن اخيه الذي كان يساعده في اعماله، ان يبدأ بدرس بيدره من القمح مستخدما البغل الجديد، ولما شد الشاب الدابة الى لوح الدراس، اكتشف على الفور ان البغل لا يرى الا بعين واحدة ولا يصلح للعمل، فأخبر عمه بما اكتشف.
ذهب الحجي الى صاحبة البغل، وبه من الغضب الكثير، وسلم وقال: بتبيعيني بغل اعور يا حجة، مش حرام؟ فردت عليه بفضاضة، واتهمته بالكذب وأنه اثقل على البغل وربما سمطه على عينه وسبب له العور، فاختلفا وارتفعت اصواتهما، وانهى المشتري السجال بالرغبة بارجاع البغل، مبررا بالغش، فردت الحجة الداهية: والله ما ما برجعه، انت اخذته سليم وابصر شو سويت بيه.
فرجع الرجل مكسورا مدحورا وبرفقته البغل الذي لا يصلح لعمل، وقرر ان يشتكي الحجة للقضاء.
وفي الجلسة الأولى للمحكمة، سبقته الحجة مبكرة الى هناك، وبيدها ورقة التبليغ وبدأت تسأل من يواجهها عن القاضي وغرفته المختصين بهذه القضية، حتى استدلت عليهما، فدخلت الى غرفة القاضي وسلمت بلطف متناهي، وقالت: يا ابنيي انا فلاحة جايه من القرية الفلانية، وعندي كثير حلال وبسوي لبن وسمنة بلدي وجميد، والحمد لله الخير كثير وجيت ازور بنتي مجوزة هون بالمدينة، وشفت حالي قريبه، مريت عليك وانتو الحكام بتتعبوا وبتساعدوا المظاليم، وما بتلاقوا بالمدينه لقمة هنية وكل شي عندكو مغشوش، قلت اجيبلك شوية هالسمنات والجميدات وشوية عسل بلدي، تتنهنا بيهن ان شاء الله، لله وعن روح المرحوم، ومدت اليه بكيس منتفخ به الحوائج التي ذكرتها، استمع اليها القاضي تأدبا بعناية، ولما انهت حديثها، دفع اليها القاضي بكيسها، وهو يقول: شكرا يا حجه، والحمد لله خير الله موجود بالمدينة كمان، فحلفت وأغلظت بالحلف ودست الكيس تحت طاولة القاضي وغادرت، دون ان تترك للرجل فرصة للحديث او التخلص من كيس الرشوة الخبيثة، وحتى لا يلفت انتباه الناس من حوله، صمت القاضي وترك الحجة تغادر.
وبعد ساعة من الزمن، نادي الحاجب على قضية البغل، ودخلت الأطراف المتنازعة، فتفاجأ القاضي بصاحبة الكيس كمشتكى عليها بتهمة الغش، وكان المشتكي، الحجي الذي اشترى منها البغل الأعور، وشاهده محمد ابن اخيه.
استمع القاضي للحجي الذي فصل له الواقعة، وشكه بغشه من قبل الحجة الذي باعته البغل، مستغلة ثقته بها وطيبة قلبه، فسأله القاضي عن شهود على الواقعة، فقال: نعم سيدي عندي ابن اخو الحجي، يشهد على كل شئ، فسأله القاضي: مين ابن اخو الحجي؟ فكرر الفلاح المنكوب: ابن اخو الحجي سيدي، وأشار الى ابن اخيه الشاب الذي يقف الى جانبه، وقبل ان يستوعب القاضي ما يجري، عاجلته الحجة بتودد وصوت خافت: سيدي، هو الحجي، والشب هاظ ابن اخوه، يعني ابن اخو الحجي، والختيار متخرفن وهلك البغل وهو يهرب عليه لسوريا، وبجوز…بقول بجوز، سمطه هواه على عينه عورله اياها، الله لا يسامحه.
فسأل القاضي الحج: هاظ ابن اخوك؟
فرد الحجي مرتبكا: نعم سيدي، ابن اخوي، لكن والله هالحجة …ما خلتني اعرف اسم ابن اخوي.
فأدرك القاضي لعبة الحجة ومحاولتها الرشوة وتأكد من بطلان ادعاءاتها، سيما وانه لم يفصل بين عملية البيع واكتشاف عين البغل العوراء، سوى يومان اثنان، فنظر الى الحجة بعصبية وقال: ادفعي للحجي ثمن البغل، واستردي بغلك الأعور، وبالطريق…مري على غرفتي وخذي كيس الجميدات من تحت الطاولة، ارادت الحجة الرد، فقاطعها القاضي مهددا اياها بالحبس ان هي نطقت ببنت شفه.
دخلكو…بعد اللي سوته الحكومة بينا، بعد حدا منا عارف اسم ابن اخوه؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى