إلى وزير التربية والتعليم / منصور ضيف الله

إلى وزير التربية والتعليم
تنويه : ليس أبلغ من الجاحظ كلمة ، وأبين فكرة ، وأصدق قولا ، وليس أجدر من وزيرنا بالسمع ، وأحق بالتفكر ، واولى بالنظر ، فثمة في بداية العام ما يقال ، وما يشار إليه بالبنان واللسان ، لعل السماء تجود ، فيروض الربيع ، ويصدق .

هذا جملة العذر في هذه الرسالة، وجملة الحجة فيما قدمنا من الافتنان والإطالة. فان كنا أصبنا فالصواب أردنا وإلى غايته أجرينا، وإن كنا قد أخطأنا فما ذلك عن فساد من الضمير ولا عن قلة احتفال بالتقصير. ولعل طبيعة خانت، أو لعل علة حدثت، أو لعل سهوا اعترض، أو لعل شغلا منع.
خفض عليك أيها السامع فان الخطأ كثير غامر ومستول غالب، والصواب قليل خاص ومقموع مستخف. فوجه اللائمة الى أهلها وألزمها من هو أحق بها، فإنهم كثير ومكانهم مشهور. كنت أتعجب من كل فعل خرج من العادة فلما خرجت الأفعال باسرها من العادة صارت بأسرها عجبا، فبدخول كلها في باب التعجب خرجت بأجمعها من باب العجب. وقد ذكر الله تعالى التعجب في كتابه، وقد تعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمانه، وفي الناس يومئذ الناقص والوافر والمشوب والخالص والمستقيم والمعوج. قال الله تبارك وتعالى لنبيه وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ
وقال بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ
واعلم أنه لم يبق من المتعجب القائل إلا نصيب اللسان، ولا من المستمع القائل إلا حصة السمع. وأما القلوب فخاوية قاسية وراكدة جامدة، لا تسمع داعيا ولا تجيب سائلا قد أغفلها سوء العادة واستولى عليها سلطان السكرة. فدع عنك ما لست منه فان فيما أورده عليك شغلا وهما داخلا.
إعلم أن الله تعالى قد مسخ الدنيا بحذافيرها، وسلخها من جميع معانيها، ولو مسخها كما مسخ بعض المشركين قردة، أو كما مسخ بعض الأمم خنازير، لكان قد بقي بعض أمورها وحبس عليها بعض أعراضها، كبقية ما مع القرد في ظاهره من شبه الآدمي، وبقية ما مع الخنزير في باطنه من شبه البشري، لكنه جل ذكره مسخ الدنيا مسخا متتبعا ومستقصى مستفرغا، فبين حاليهما جميع التضاد، وبين معنييهما غاية الخلاف. فالصواب اليوم غريب وصاحبه مجهول. فالعجب ممن يصيب وهو مغمور، ويقول وهو ممنوع، فإن صرت عونا عليه مع الزمان قتلته، وإن أمسكت عنه فقد رفدته، ولسنا نريد منك النصرة ولا المعونة ولا التأنيس ولا التعزية، وكيف أطلب منك ما قد انقطع سببه وأجتث أصله. وقد كان يقال: من طلب عيبا وجده. هذا في الدهر الصالح دون الفاسد. فان أنصفت فقد أغربت، وإن جرت فلم تعد ما عليه الزمان. وهب الله لنا ولك الإنصاف وأعاذنا وإياك من الظلم.
والحمد لله كما هو أهله، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. فالصواب اليوم غريب وصاحبه مجهول. فالعجب ممن يصيب وهو مغمور، ويقول وهو ممنوع، فإن صرت عونا عليه مع الزمان قتلته، وإن أمسكت عنه فقد رفدته، ولسنا نريد منك النصرة ولا المعونة ولا التأنيس ولا التعزية، وكيف أطلب منك ما قد انقطع سببه وأجتث أصله. وقد كان يقال: من طلب عيبا وجده. هذا في الدهر الصالح دون الفاسد. فان أنصفت فقد أغربت، وإن جرت فلم تعد ما عليه الزمان. 
    هي دورة الحياة وانسجام المقال مع المقام ، ومناسبة الحال لكل زمان ، فإذا كان للعدل دولة فللظلم دول ، وإن كان للصالح مكان فللفاسدين أمكنة ، كلمات مضيئات تعري،واقعنا وتبين اغتراب أصحاب الفكر والعلم والمبادئ في،زماننا وغياب النصفة وتوطن العسف في،الرأي وتوزيع الأدوار وتولي زمام الأمور…..
    هذا غيض من فيض ، وجزءاً من المشكلة. اختيار موفق ، وفي مكانه الصحيح وزمانه المناسب،نتمنى إضاءات للنص أتمنى أن نجد لها فسحة من حرية… وحصة من الوقت والمجال الكافي، وفق الله الجميع لخير،البلد، والنشئ ،وبوركتم أيها القائميين على تربية الجيل وصنع المستقبل.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى