إسرائيل في العربة والأردن في الوادي

إسرائيل في العربة والأردن في الوادي
عبد الفتاح طوقان

أكتوبر ٢٠١٧ يصادف ٢٣ عاما مرت على اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية، التي وقعت في شمال ايلات قرب الحدود الأردنية فيما أطلق عليه اسم “وادي عربه”، ومنذ ذلك التاريخ وإسرائيل تمرح في العربة و”تتفسح” والأردن “وحيدا” في الوادي بلا ماء او غطاء مديون بثلاثين مليار دينار ومهدد.

ليس ذلك فقط بل إسرائيل عينها علي الوادي، في كناية عن الأردن بمجملها، وتصرح تكرارا “الأردن هو فلسطين ” ولا بد من نظام بديل.

الاتفاقية في صياغتها الكتابية افترضت اعادة ٣٨٠ كيلومتر للأردن، رسمت الحدود الغربية للأردن لأول مرة، ووضعت حد للمطالبة الصهيونية بالأردن، وعدم استخدام أراضي الأردن عن طريق بلد ثالث للانطلاق والاعتداء على إسرائيل، وعدم الدعاية المضادة أو اظهار العداء الثقافي من خلال وسائل الاعلام. وتفرع عنها بروتكولات المنفعة المتبادلة واتفاقات للتعاون في وادي الأردن، منطقة العقبة وايلات.

مقالات ذات صلة

النتيجة ٥ ملايين متر مكعب ماء كل عام للأردن، واعتراف بامتلاك إسرائيل ٢٥٪ من مياه نهر اليرموك، والاعتراف بحدود إسرائيل والغاء الحدود مع فلسطين، الاعتراف بإسرائيل كدولة شقيقة وغيرها من الامور. واضيف ان الأردن شرع الاحتلال الاسرائيل لأراضيه، لم يستعد الباقورة او المنطقة المحاذاة لوادي عربه، واعطي إسرائيل المياه الجوفية الصافية بينما حصل على مياه ملوثه من بحيرة طبريا، وان قضية تأجير أراض اردنية لإسرائيل غير صحيحيه فكلمة تآجير لم ترد في الاتفاقية وحملت الاتفاقية الأردن أعباء اللجوء الفلسطيني وهربت من هذه الأعباء. انتهي الاقتباس. (٢٥ اكتوبر ٢٠١٥ حديث الدكتور انيس القاسم الي فضائية الجزيرة في مواجهه مع وزير الخارجية الأردني كامل أبو جابر وهو “جندي خدم في البحرية الامريكية وأصبح وزيرا للخارجية الأردنية فيما بعد ” والذي أجاب على الهواء: وما هو البديل؟ أن الأردن الأردن يعرف حدود قوته ويحاول ألا يثير إسرائيل).

منذ ان دعي الملك الحسين مجموعة تم انتقائهم بعناية من قبل دائرة المخابرات العامة لاجتماع في مدينة الحسين الرياضية في عمان وبتواجد مجموعة من قيادات الاخوان المسلمين لإبلاغهم قرار اختيارهم للسفر الي مدريد بعد استشاره سوريا ولبنان والتي قال الملك الحسين حينها للمجتمعين انه تم الحصول على موافقتهما، والأردن الحكومي يعيش منذ ذلك الحين في حالة غيبوبة سياسية وهي حالة من اللاوعي أدت الي عدم استيقاظ الدولة الا على “مؤتمر” يدعو الي نظام بديل.

فقد لوحظ فشل حكومي متوالي في الاستجابة إلى مؤثرات نيابية مطالبه لإلغاء الاتفاقية أدت الي حالة مؤلمة من تقزيم صوت المجلس، وفشل رؤية ضوء نهاية نفق السلام، وصم الاذان عن صوت المعارضة للاتفاقية الذي ادي الي افتقار دورة الوطن الحر.

بعد ٢٣ عاما من اتفاق أطلق عليه البعض انه “استسلاما” من حق العالم قبل الشعب الأردني ان يعرف ماذا تم؟ كيف ولماذا؟ والنتائج؟ من خلال الوثائق الأردنية لا فقط من خلال إسرائيل.

لقد كان خيار المخابرات التي لديها تفاصيل وملفات كل من شارك وسلوكياته وطموحاته موفقا من حيث انه لم يعترض أحد على التفاوض في أي مرحلة سابقة او اثناء او بعد اللقاءات، ولم ينسحب أحد في لحظة ضعف، او كتب ووثق ما حدث بصدق، ولم يعارض أحد سياسات الملك التي ارتأت حينها لا بديل عن السلام مع إسرائيل مهما كان الثمن.

وللتاريخ الوحيد من الوزراء الذين اعتذروا بداية عن المشاركة، بغض النظر عن الأسباب، كان وزير المياه الدكتور وخبيرها الدولي منذر حدادين والذي طلب للمشاركة عير الهاتف، اثناء تواجده في ريدنج في بريطانيا، من وزير الخارجية كامل أبو جابر حينها، و أقنعه فيما بعد في عمان وزير المياه الأسبق و النائب عن مدينه السلط سمير قعوار قائلا له: انها مهمة وطنية.

الاحداث كانت سريعة في ذلك الوقت وتم استبدال حكومة طاهر المصري بحكومة الأمير زيد بن شاكر.

اعود تاريخيا الي مصر، في المقابل كان سفير مصر السياسي والديبلوماسي ووزير الخارجية إسماعيل فهمي (أثناء حرب اكتوبر ١٩٧٣) قد استقال من الحكومة المصرية اعتراضا على زيارة الرئيس السادات الي إسرائيل وكان شديدا الانتقاد له، كما استقال محمد إبراهيم كامل وزير خارجية مصر خلال المفاوضات بين السادات ومناحيم بيجين وكتب في مذكراته ” أن ما قبل به السادات بعيد جدا عن السلام العادل”. وانتقد الاتفاقية انها لم تشر الي انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ولم تتضمن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره،

ما حدث فيما يتعلق بغزة والضفة الغربية في كامب ديفيد هو ما تكرر في اتفاقية وادي عربه، لان إسرائيل لا تغير من خطتها ولا من ثبات موقفها ولا تتلاعب اما شعبها، ولكن الفارق وزراء خارجية مصر استقالوا وكتبوا ووثقوا بينما في الأردن تمت العملية بسهول ويسر دون استقالة أحد او اعتراض من أحد.. بل تم لاحقا مكافأة اغلب من شارك في التفاوض “صامتا” بمنصب “وزير ومنهم من اعتلي منصب رئيس الوزراء مفتخرا انه ” مهندس تفاصيل اتفاقية وادي عربه”. لا أحد حتى الان يعرف ما اللجنة ومن أعضائها التي كانت تتابع التفاصيل وما قرارتها ومداخلتها، ويتندر البعض القصد منها هو ” سكرتير جمع أوراق محاضر الاجتماعات”، والسبب التعتيم والخوف من نشر الحقائق.

عندما اتصل الملك الحسين مع الدكتور عبد السلام المجالي ليترأس وفد التفاوض، كنت معه في نادي الملك الحسين في الدوار الاول، وهو ناد مخصص للوزراء على النمط البريطاني، واعلم الحضور فرحا انه ذاهب لمقابلة الملك لأنه تم اختياره، وللحق كان الجميع فرحين لهذا الاختيار لان المسؤولية صعبه وتحتاج الي شخص بصفات صدق ووطنية وذهنية صافية وهدوء وعدم استعجال ومستمع جيدو هي خصال اجتمعت فيه. لقد كان مكسبا في التفاوض حسب تلك اللحظة الفارقة في تاريخ الأردن.

وقلت له بالحرف الواحد ونحن باتجاه سيارته لمقابلة الملك الحسين رحمه الله عليه: “دولتك انت أستاذ أجيال وخرجت الالاف ممن يثقون بك في الجامعة فاحذر من الإسرائيليين ولا تتسرع في الموافقة وكن حريصا على التسلح بوثائق وخرائط وخبراء واهتم جيدا الي الصياغات”، فرد: “لا توصي حريصا” فأجبته و لكن” ذكر ان نفعت الذكري”، فقد كتب كيسنجر وزير خارجية أمريكا ان السادات كان يفرط و يتساهل و يفاجئ الإسرائيليين في التفاوض بقبول كل ما يطرح و يتجاوز ذلك الي ابعد ما يطالبون به. وكانت الإجابة:” انا لست السادات”.

في فندق البستان في مدينة دبي اثناء سفر الدكتور المجالي الي الباكستان و برفقته الدكتور عدنان بدران و الذي اصبح رئيسا للوزراء فيما بعد ، و في جناح خاص و حديث بمرارة من قلب انسان وطني تقلد مناصب عدة، وبعد سنوات من الاتفاقية ، حدثني رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبد السلام المجالي بمرارة حيث لم يعد رئيسا ، “لقد كان الملك الحسين حاضرا في كل لحظات التفاوض و يديرها من الخلف من غرفة خاصة ، طلبت اليه راجيا ان يسمح لنا بوقت للتفاوض مع الإسرائيليين وعدم التسرع…….” ، البقية لديكم لا داعي للحديث عنها حيث انها لم ترد في كتاب المذكرات الذي كتبه الدكتور عبد السلام المجالي، و لكن قد نراها في مذكرات شمعون بيريز رئيس وزراء إسرائيل او يوسي بيليين احد المفاوضين الدهاة.

أخبرني نائب رئيس هيئة الأركان المرحوم تحسين شردم في منزله الشتوي على شاطئ البحر الميت بعد ان تقاعد من القوات المسلحة، لقد انتصرت للأردن في التفاوض بشأن الحدود بإضافة أمتار لها عند ترسيم الحدود، فقد كنت ادفع بعضو اللجنة الإسرائيلي ضعيف البنية وقصير بكتفي ناحية إسرائيل لأضيف لمن بعدي من المساحين اللذين معي مزيدا من الأمتار لرسمها في مخطط هندسي. وعندما سئلت ولماذا كنت تفعل ذلك يا باشا وأجاب متألما لم يكن لدينا مخططات للأرض، ولم نكن مسلحين بمعلومات، كنا مختلفين على خط الهدنة، بينما الإسرائيلي يحمل ومن منعه نقاط مرسومة سلفا وخرائط وصور كنت اراها للمرة الاولي، واضطررت لاستخدام العضلات، ونفخ السيجار في وجهي واتجه بنظره الي مياه البحر الميت، رحمه الله عليه.

بعد ٢٣ عاما الشعب الأردني سجناء الوادي المليء بعقارب السياسية الاسرائيلية، هو واد صامت حزين مهددا بالضياع والعربة الاسرائيلية تم تطويرها وأصبحت مدرعة ضخمة يمكن لها أن تواجه بفاعلية أي اعتراض على ان ” الأردن هي فلسطين”.

حوار طويل وصريح حول اتفاقية وادي عربه مطلوب حتى لا يضيع الوادي، خصوصا وان زوجة أحد الوزراء في وفد التفاوض لم تجد اجابه على سؤالها له منذ ٢٣ عاما: “لماذا أنتم ذاهبون للسلام مع دولة مغتصبة للأراض؟”.

الي الان لا اجابه، علما أن الزوجة الفاضلة هي امريكية.
aftoukan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى