إذ يموت الفرح / خولة مغربي

إذ يموت الفرح

إلى متى؟؟؟!!! إلى متى نقبض على جمر عودة أولادنا كلما غادرونا إلى مدارسهم أو جامعاتهم أو عملهم؟؟!!
هل كانوا يظنون ولو لوهلة أنهم لن يعودوا إلاّ في كفن؟؟!! هل ظنّ الشاب الملقى تحت عجلات الحافلة أنه لن يصافح وجه أمه مساءً؟؟ وهل خطر على قلب بشر أن ذلك السوار سيبحث عنها بين الجثث؟؟!! وهل تراءى لأمه التي هدهدته كي ينام مطمئناً بين ذراعيها، إلى أن يصلا، هل تراءى لها أن تلك ستكون الترنيمة الأخيرة قبل النوم الأبدي، الذي أسلم له جفنيه قبل لحظة.
هي بين غمضة عين وانتباهتها، وبين فجأة وشهقتها، تلك اللحظة الغادرة التي تسرق أحلامنا خِلسة، وتغتال فرحنا عُنوة، وتطفئ فرح الدنيا في قلوبنا، إلى متى يراودنا الموت عن أبنائنا، فننساقُ له لا حول لنا ولا قوة، إلى متى يمتدُّ هذا الأفعى ويتلوّى في طرقاتنا، يتشح بلون الكفن الأسود يمتدُّ بين مدننا وقرانا وصحرائنا، وبين أزقتنا وشوارعنا!!!
نحن الذين تركناه وحيداً يوزع بطاقات فرحه بزفافه بنفسه، أجل نحن الذين تركناه وحيداً يقف أمامه فرداً، يملؤه الفرح الآتي قاب يومين أو أدنى، عريس يزفُّ موكبه بنفسه، يطرق قلبه الأبواب باباً باباً، فتفتح له الأبواب كلها، وكأنه يودعها وتودعه، فتزف له التبريكات والبسمات والوعود الكاذبات بحضور عرسه، يقفز فرحاً ويطير ألقاً وتسبقه روحة تحلّق في الفضاء تستعجل الأيام والساعات، كي يلحق بموكب زفافه، فتخطفه الندامة وتغدر به، وتأبى إلاّ أن يُزَفَّ مبكراً، ويأتيه المدعوون مساءً، لا مهنئين بل معزّين، فبئست بطاقة الدعوة تلك، وبئس التوقيت الأسود، الذي جعله يرحل مبكراً من بيته، ويغادر إلى البيت الأبدي، بعد أن يزفّه الرفاق على أكتافهم نعشاً وجثة هامدة، في الوقت الذي كان سيزف فيه عريساً على الأكتاف ذاتها!!!! وبعد أن تُطلِقَ أمه الزغاريد وجعاً وألماً وطعناً في الخاصرة، وتُخضّبَ يديه بالحنّاء بينما هو يُسْبِلُ عينيه، لا فرحاً ولا دلالاً، لا، بل قهراً وغُبناً وغدراً، بيد غاشمٍ مترصد مستهتر لا يعتبر من القلوب التي انكسرت، والعيون التي انطفأت حزناً على فلذة الكبد أو شقيق روح ….
متى سيلتئم هذا الجرح، ولا يتجرأ أحد أن ينكأه، ومتى ستكون طرقاتنا دروب سلامة وأمن وعودة ميمونة إلى حضن الأمهات، متى سيتوقف هذا الجرح النازف، ومتى يستيقظ فينا روح الاعتبار وتعلمّ الدرس، قبل الخضوع للامتحان الأصعب، ساعة لا ينفع الندم!!!
يخاف قلبي عليكم، يخاف عليكم وعلينا، ونحن في انتظار (الشتوة) الأولى لهذا العام، وما تضمره لنا، أخشى أن يكون الموت غافياً هناك، ويصحو فجأة إذ يبلله المطر، غاضباً مجنوناً يخطف خبط عشواء، خميرة العمر وذخيرته، التي ندّخرها للوطن وللحياة وليس للموت ….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى