أُغتصبت صحوتكم وسُرقت فرحتكم / عبدالله احمد العساف

أُغتصبت صحوتكم وسُرقت فرحتكم

تخيل معي يا رعاك الله
مواطن بسيط من الطبقه المتوسطه مستور الحال يعمل بكد وجهد ليؤمن قوته وقوت عائلته ويُحاول بشتى الطرق المشروعه ان يُغطي كافة احتياجاته واحتياجات زوجته وأبناءه.

تمضي الحياة وتمر السنين فيكتشف انه كان ولا زال وسيظل يلهث في هذه الدنيا لتأمين لقمة العيش، ويقتنع أن امور الحياة لم تعد ببساطة ما كانت عليه سابقاً بل تزداد صعوبةً يوماً بعد يوم.

فيُقرر أن يثور على المألوف والروتين والملل، ويخرج من الدائرة الضيقه التي حصر نفسه بها طِوال سنين خلت ليعمل فقط لغيره (زوجته وأبناءه) لا لنفسه. فيقوم بترتيب رحلة راحة واستجمام في إحدى المناطق حيث سيُخيم في العراء لليلتين او ثلاثه ليروح عن نفسه ويسترخي، فيقوم بتجهيز المطلوب، مادياً والاغراض المطلوبه ويتفقد سيارته المتهالكه اصلاً لدى الميكانيكي لكي لا تخذله في هذه الرحله التي وعلى بساطتها تعتبر اهم رحلةٍ في حياته لأنه لم يقرر أن يقوم بها الا بعد ان طفح به الكيل من الروتين والملل وبعد ان تقدم به العمر وبعد ان كبر أبناءه وغادروه لبدء حياتهم الخاصه تاركينه وزوجته وحدهما.

لكم ان تتخيلوا كمية السعاده والفرح التي تغمرهما معا عندما انطلقا في الصباح الباكر، مروا على إحدى محطات الوقود الكبيره، تزودوا بالوقود وبعض الاطعمة الخفيفه والمشروبات البارده ثم اكملا سيرهما، وخلال الطريق كانا يتجاذبان اطراف الحديث ويستمتعان بالمناظر الطبيعيه الجميله ويستذكران مراحل مختلفه من حياتهما سوياً، حتى ان زوجته داعبته قائله، إنها أول مره في التاريخ أن يكون شهر العسل في النهاية وليس في البدايه، فضحكا واكملا طريقهما.

وصلا الى المكان المنشود مع ساعات ما بعد العصر واقتراب المغرب، فنصبا خيمتهما الصغيره وبدأ الزوج باشعال النار وجلس مع زوجته قربها يتناولان بعض الساندويشات البيتيه التي اعدتها زوجته مسبقاً، ومع حلول الظلام ونتيجة الانهاك والتعب قررا النوم باكراً ليرتاحا وليبدأ يومهما التالي بنشاط وحيويه.

ما هي الا ساعة او اقل وبعد ان بدأ النوم يتسلل، خرج عليهم مجموعة من قطاع الطرق، فربطوا الزوج واغتصبوا الزوجة جماعياً ونهبوا كل شيء، نعم كل شيء وتركوا هذا الزوج المنكوب وزوجته المغتصبه نصف عُراه في وسط الصحراء المظلمه.

لك الان يا عزيزي أن تتخيل كمية خيبة الأمل والاحباط والحقد على الحياة الموجوده عند الزوج تحديداً والتي قد تؤدي به وبلحظه ضعف إلى قتل زوجته ثم الإنتحار!!!

سردت هذه القصه، لاعود بعدها إلى عنوان هذا المقال، نعم يا ساده فلقد صبر الشعب وتحمل سياسات الحكومات المتعاقبه المتخبطه والغير مدروسه والتي كانت في معظمها على حساب جيبه وقوته وفرحته وإنحنا المواطن المسكين المغلوب على امره غير مرة للعاصفه على أمل ان تتحسن الامور، وتأمَّل مرات ومرات عندما يتم تغيير حكومه ان تكون الجديدة افضل من سابقتها فيتنفس قليلاً إلا أنه يكتشف أنها أسوأ من أختها فيعود لوضعه السابق لا يملك إلا الدعاء لله ان يُفرج الهم ويُزيل الغم ويرزقه حكومةً صالحةً تعمل له لا عليه.

وبعد ان تزداد الامور سوءاً وبعد ان يطفح الكيل يُقرر الشعب ان يثور على نفسه أولاً بعمل ما لم يعمله من قبل وعلى الحكومة ثانياً مطالباً بتغييرها وتغيير النهج معها بحيث ان تقوم خليفتها بتخفيف العبئ الضريبي والحياتي عنه، وتقوم بالاهتمام به وتقديم الخدمات الضرووية له والتي هي من ابسط حقوقه، ولتقوم بكف يد الفاسدين والمفسدين ومحاسبة المقصرين والناهبين لأموال الدولة والتي هي اموالة كشعب، فيخرج الشعب إلى الشارع في ليالي رمضان مطالباً بتغيير الحكومة بكل رقي وحضارةً ودون اي إخلال بالأمن وسطر ارقى صور التعاون فيما بينه وبين الاجهزة الامنية حفاظا من الجميع على الأمن العام.

تنفس الجميع الصُعداء وأنتشرت الافراح بعد أن سقطت الحكومه وبعد أن تم بث العديد من الرسائل المُطمئنه أن القادم أجمل وأن التغيير أتٍ ليس للوجوه فقط، بل يتعداه للنهج والسياسه خصوصاً النقديه الاقتصاديه وسيتم الضرب بيد من حديد على كل مُقصر بعمله وكل فاسد، فانتهت المظاهرات وعاد الجميع إلى بيوتهم ومارسوا حياتهم الطبيعيه، وبعد ترقبٍ لعشرة أيام او يزيد، ترقب الشاب لموعد ولادة أول ابناءه – ولك التخيل كيف يكون هذا – كُشف النقاب عن الحكومة الجديدة ويا لها من خيبة أمل كبيره وصلت حد الفاجعة لما حَوَته من تشكيلة لا منطق فيها ولا هي تُبشر بتغيير ملموس كما كنا نطالب.

تعالت الأصوات المنتقده للتشكيله، وتعالت أصوات أخرى تطلب اعطاءهم فرصه فهدأت الامور قليلاً مع إستمرار الانتقادات عبر فضاء الشبكة العنكبوتية المفتوحه ولكن دون تواجد على الارض وهو شيء جميل، إلا ان جاءت الصفعة الثانيه وعلى حين غِره بتغييرات أخرى بمواقع أخرى لا تقل أهمية عن الحكومه؛ إن لم تكن أهم، وكلكم يعلم ما هي هذه التغييرات!!

نعم يا ساده أغتصبت صحوتكم، وسُرقت فرحتكم… والقادم أسوأ!!!

لنا الله فليس لنا أحد سواه

عبدالله احمد العساف
assaf.abdullah@gmail.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى