أوهام النيكوتين / عاتكة زياد محمد الحصان

أوهام النيكوتين

لم يكن التدخين يوماً خياراً ضمن خياراتٍ صالحةٍ، فمنذ ظهوره لأول مرةٍ وهو ينوء بثقل سمعته السيئة، خصوصاً في ظلّ الدراسات الطبية الكثيرة التي عرّت حقيقته الصّادمة، فكان الدّخان ولم يَزَل يُصنّفُ بأنه آفةُ خبيثةٌ تأخذُ حقها من صحة البدن والنّفس، ورُغم هذا يُقبل عليه الكثيرون بشغفٍ كبير وكأنهم يتحَدّون أجسامهم، ويوقعونها تحت اختبار الفضول الأرعن، الذي تُغذّيه رفقة السوء، فيصبحون مدخنين، دون أن يفكروا للحظةٍ بما يحمله الدخان من تبعاتٍ مؤذية، فالدخان يمدّ الجسم بمواد مُسرطنةٍ وأبخرةٍ سامة ومسببات أمراض، دون أدنى إحساسٍ بالذنب، سواء من مُتعاطيه أو من مُسوقيه من أصحاب شركات التبغ والتُجّار، فتبعاته السلبية أكثر بكثير من المُتعة الآنيّة الزائفة التي يُقدمها، وتظلُّ مكوناته متأهبةً لتظهر على الجسد في أي وقت، فالأمراض المحتملة التي يحمل الدخان وزرها كثيرةٌ وخطيرة، فإن نجا القلب وأوعيته الدموية، فلن تنجو الرئتين، وإن لم يكن السرطان نتيجة الدخان الحتمية، فالسعال والربو والتجاعيد وأمراض العيون واسوداد اللثة واصفرار الأسنان وغيرها، ستكون تحصيلاً حاصلاً يُعاني منها المدخن نتيجة استنشاقه للسموم والمواد المُسرطنة التي تُعدّ مكون الدّخان الأساسي، فاشتعال سيجارةٍ واحدةٍ يُقابله انطفاءٌ في خلايا الجسم السليمة، وتحفيزُ للشوارد الحرّة كي تنمو وتتكاثر لتصبح ورماً سرطانياً، بالإضافة لنقص أُكسجين الدّم، والرائحةٌ الكريهةٌ التي يتركها الدّخان عالقةً في الفم والملابس، والعبء الاقتصادي الإضافي الذي يفرضه الدخان على صاحبه، فيدفعه الإدمان إلى استبدال قُوته وقوت أطفاله بثمن علبة دخانٍ.
الدّخان يقلب ساعة الجسد، ويُعجّل في شيخوخته، فيُصبح العام الواحد من عمره يمضي وكأنه سنواتٌ عجاف، فهو سارقٌ ماهرٌ للعمر، يُنقص العُمر الافتراضي ويستفز الخلايا السرطانية الخبيثة لتظهر، ليُغذيها بالنيكوتين، والزرنيخ، والرصاص، وأول أُكسيد الكربون، والميثان، والأمونيا، وسيانيد الهيدروجين، والميثانول، والقطران، وغيرها الكثير من المواد السّامة وعالية السّميّة التي تُعتبر مكوناتٍ أساسية في الدّخان، مما يُضعف المناعة، فكلّ سيجارةٍ تُمثلُ عُلبة سمٍ صغيرة، يتناولها المُدخّن بنشوةٍ حمقاء.

إن كُنت من المُدخنين، فاعلم أنّك واقعٌ في سجن العادة والإدمان، وأنّ حظك العاثر جعل منك صيداً سهلاً لصديقٍ عابثٍ دعاك لتجربة الدّخان أول مرةٍ، أو لأسرةٍ لا تُحسن مراقبة أبنائها، أو لتاجرٍ يبيعُ الدّخان على شكل سجائر منفردةٍ، ليجذب أكبر عددٍ من المراهقين والشباب، فسيجارة واحدة من باب التجريب، قادرةً على أن تُحولك إلى مدمن للنيكوتين.

كُن مسؤولاً أمام نفسك وقل: لا، فالسيجارة الأولى كالرصاصة الأولى، قد تُصيبك في مقتل، وإن كُنتَ محظوظاً، فلن تُعيد التجربة مرةً أخرى، والمحظوظ من يملك وعياً وبصيرةً متفتحة، أو أُسرةً مهتمةً، أو مربّين أفاضل يُمسكون اليد في الوقت المُناسب، ويضعون إشاراتهم التحذيرية في طيات كلامهم، دون أن يجرحوا طيش الشباب وحماسه، ويعتمدون أسلوب الحُب والنُصح، لكن ما الذي يًجبرك على خَوضِ كل هذا، إن كان بإمكانك أن لا تًجربها من الأساس؟

مقالات ذات صلة

أضحت محاربة التدخين في الوقت الحاضر معركةً شرسةً جداً، إذ أن الوقوف في وجه الحملات الإعلانية الضخمة والمضللة التي تقوم بها شركات التبغ، بمثابة التجديف عكس التيار، خصوصاً في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وكثرة الإنتاج السينمائي والتلفزيوني الذي يُعظم فكرة التدخين، ويُوحي للمشاهد أن السيجارة إحدى مكملات الأناقة والبرستيج، دون إدراكٍ بأن المُدخّن يؤذي الآخرين قبل أن يؤذي نفسه، وأنه يُخالف شرع الله أيضاً، ويُنافي قاعدة :”لا ضرر ولا ضرار”.
قل في وجه السيجارة الأولى: لا، ولا تكن صيداً سهلاً، ولا تسمح لأحدٍ أن يبيعك موتك القريب.

مسابقة بالأقلام نُحارب الدخان
حقل العمود

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى