أهو جهلٌ أم تجاهل ؟ / د . هاشم غرايبة

أهو جهلٌ أم تجاهل ؟
يذهب كثير من حسني النية الى القول أن سبب العداء للإسلام المستشري هذه الأيام هو الجهل بهذا الدين بسبب من فشل الدعاة في مخاطبة الآخر بأسلوب عقلي مقنع ، فيما يميل آخرون أكثر طيبة وتسامحا الى تبرئة أولئك المعادين ، وانهم معذورون في موقفهم المتشدد في رفض الإسلام المطلق ، لأن هنالك من المسلمين فئة متطرفة قامت بأعمال بشعة .
الحقيقة المريرة أن أسباب العداء لا تعود الى أي من هاتين العلتين ، بل هما تبريران لإشهار العداء وليس لتأسيسه ، بمعنى أنه متأصل مستحكم ، وليس حالة من سوء الفهم تزول بالتوضيح .
الصراع بين الحق والباطل أزلي ، ولن ينتهي إلا بنهاية الدنيا ، لأن هذه هي طبيعة الحياة البشرية : { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . ( هود : 118 ) } ، هذه العلة في خلق الإنسان ، أوجده من العدم ليسعده في الدار الآخرة ، لكن شاءت إرادته أن يجعلها لمن يؤمن به من غير أن يراه ، فأعطاه العقل الذي يعتمد المحاكمة المنطقية ، ولذلك كان استعماله تحديا لمغالبة الشهوات ، فمن نجح باتباع استنتاج عقله وغلبه على شهواته ورغباته ، فآمن بالله والتزم بدينه فهو فقط يستحق الجائزة العظمى .
هذا الصراع اتخذ وجوها عديدة عبر العصور ، ومنذ أن نزلت الرسالات على الأنبياء كان من آمن بهم قليل ، رغم أنهم جاءوا بمعجزات تحدّت العقل ونواميس الكون ، لذلك عندما جاءت الرسالة الختامية والتي استكمل بها الدين ، وحددت تشريعاته أوامر الله ونواهية ، وجدت معارضة أشرس ، وتحالف عليه كل أطراف الباطل على اختلافاتهم ونزاعاتهم ، وجهدوا ليطفئوا نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره فنصر دينه ، ومكّن لمن امتثلوا لأمره في نشره بين الناس ، مكّن لهم في الأرض ، وجعلهم الأعلون .
هنالك حتميتان يجب الإقتناع بهما : الأولى أن نور الله الذي أنزله رحمة للناس ، لا قبل لأحد بإطفائه مهما قوِيَ أهل الباطل وتكاتفوا عليه ، لكنه ومن أجل أن يستمر هذا الصراع فتقوى بذلك عزيمة أهل الحق ، فقد أعمى الله قلوب الظالمين عن معرفة هذه الحتمية ، فيظلوا دائبين على جهدهم الخاسر ، آملين في نجاحه .
الحتمية الثانية : انه مهما قوي أهل الحق وحققوا الغلبة ، فإن أغلب البشر سيظلوا عميانا في غيهم يعمهون ، فقد سبق حكم الله { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ . ( الزخرف: 78 )} .
بناء على ماسبق فإن القضية ليست جهلا من المعادين للدين بطبيعته ، ولا هو تقصير في تقديم البراهين العقلية ، فقد جاء موسى عليه السلام بتسع آيات تكفي واحدة منها لدحر العقل وابهاره ، لكن عجرفة الكافر وخوفه على مصالحه حالت دون التحول الى معسكر الحق وترك الباطل .
وكذب بنو إسرائيل بالمسيح عليه السلام لما أرسل إليهم رغم كل معجزاته ، ولم يعترفوا به نبيا مع أنه جاءهم بكتاب الله ( الإنجيل ) فاستولوا عليه وأخفوه ، ورفضوا ما جاء به رغم أن دعوته كانت إصلاحية ولم يطلب منهم نشرها على البشر .
ولما جاء محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة وخاتما لكل الرسل ومكملا للرسالات السابقة ومستكملا للدين ، لم يكذبه الكفار والمشركون فقط ، بل والمؤمنون برسالات الأنبياء السابقين أيضا ، رغم أنه لم يشترط عليهم الدخول في الإسلام عنوة ، بل اختياريا لامتحان صدق إيمانهم : { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (آل عمران 110 )} .
منذ ذلك الحين تشكلت أطراف العداء لهذا الدين الذي هدد مصالح كل الطامعين بسبب أنه لا يقتصر على إصلاح النفس البشرية ، كما أنه ليس محليا بل ان كل من يؤمن به ملزم أن يبلغ به غيره ، لذلك كان منطقيا أن ترى كل المتضررين مباشرة أو الذين يتخوفون من انتشاره منتظمين في تحالف عريض يشمل : 1 – القوى المتجبرة الطامعة في الإستئثار بخيرات العالم والتي تتناقض والتشريعات الدينية الكابحة للظلم والطمع ( فيما لو تبناها النظام السياسي ) ، 2 – المعادون للإسلام تاريخيا حسدا من عند أنفسهم ، 3 – القوى التي تخشى تطبيق الإسلام في الدول العربية والإسلامية وهي الطبقات الحاكمة راهنا ( أنظمة الحكم ) ، أو التي تطمع بالحكم لاحقا ( القوى السياسية القومية واليسارية ) .
هذه الأطراف المتناقضة المصالح ، تلتقى على القاسم المشترك الوحيد وهو : العمل على منع الإسلام أن يتحول الى قوة سياسية لأنها ستكون خطرا على مصالح هؤلاء جميعا .
إن هؤلاء لا يجهلون حقيقة الإسلام ، ولا يغير ما بأنفسهم حوارا ت أومناظرات ، إنهم يريدون ابقاء هذا المارد في القمقم ، لا يأبهون للادعية والصلوات طالما هي فردية ، لكن الإتصالات تستعر فيما بين أجهزة المخابرات الدولية المتحدة ، إن كان بضعة شباب قد تنادوا للعمل المشترك تحت مسمى إسلامي . وستجد أن الفرقاء الثلاثة المتباعدين قد التقوا على قلب رجل واحد .
لكن رغم سيطرتهم الهائلة على كل شيء ، فإن كيدهم سوف يبور مصداقا لوعده تعالى :
{ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ (آل عمران:111 )} .

– للإطلاع على المزيد من انتاج الكاتب يرجى الدخول على صفحته على الفيس بوك : صفحة الدكتور هاشم غرايبه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى