أنت غير مؤهل!! / محمد العيسى

أنت غير مؤهل!!

لا زلت أذكر تلك اللعبة الباهظة الثمن وان لم تكن كذلك فعلى الأقل كانت كذلك بالنسبة لي حين أتى بها “إبن الجيران” كي يبارز فيها لعبتي حيث كنا نجلس سويا على الاقل مرتين اسبوعيا حيث يأتي كل واحد منا بلعبه المبعثرة لنقيم حرب الجنود والحيوانات ، إلا أن لعبة “إبن الجيران” كانت مختلفة ليلتها حيث أنها كانت عبارة عن جندي مستلقٍ على الأرض يتحرك للامام زحفا واذا وضعته في الماء يسبح ، فكان سؤالي الفضولي الغيور ” من وين جبتها هاي ؟ ” فقال لي : ” هاي يا حبيبي من أميركا خالي جابلي ياها “.
إنتهت اللعبة وذهب كل منا إلى بيته ولكني وكأي طفل لم تفارقني تلك اللعبة ولم تفارقني كلمة “اميركا” ، تركت بي هذه اللعبة أثرا وقتها حتى أنني قلت لأمي “بدي اروح عل اميركا اجيب لعب” فقالت لي ولماذا “اميركا” ؟ فكانت اجابتي السريعة بأن ” ابن الجيران ” كل فترة يشتري له خاله لعبة من هناك ولا توجد هذه اللعب في بلدنا لذا سوف اذهب الى هناك واشتري كل اللعب التي اريد ، ولكن كان رد أي أحد على ما اقول هو ” يا ولد اميركا بعيدة كثير ” ومن ثم يضحك.
كبرت ولم اذهب هناك كي أشتري اللعب ونسيت القصة حيث أنني كنت أتهرب منها في حال تذكرها استخفافا مني بطفولتي وقتها ، ولكني لم أعي بأن هناك أمور أكبر من اللعب غير موجودة أيضا في بلدي وموجودة فقط في بلدة اللعبة الزاحفة ، فلعنة تلك اللعبة طاردت كل طفل فينا الى ان كبر ، مع تغير اللعبة وتغير غاياتها فأصبحت اللعبة إما تعليم مجاني أو تأمين صحي مجاني أو شوارع معبدة أو سيارات أو لغة علم أو رؤوس أموال أو حتى ضريبة بمقابل .
قبل ثلاثة أعوام تقريبا كنت جالسا مع أصدقائي وإذ بهم يتهامسون فقلت لهم ” شو بتحكو انت وهو” فقالوا موضوع فعدت الى عادتي الفضولية وقلت موضوع “شو” فقالوا نريد الهجرة الى أميريكا فنحن لا نجد فرص هنا ونريد ان نكون انفسنا وهي أرض الأحلام والفرص ، لا أدري لماذا سرحت وقتها في تلك اللعبة ومطلبي الطفولي بالذهاب الى اميريكا للظفر بها وبغيرها فقلت لهم أنا معكم “قدمولي معكم” ، فقدمنا طلبات المقابلة في سفارة الأحلام وصرنا على قيد الإنتظار..
بعد عدة أسابيع تكرمت علينا السفارة بالموافقة على المقابلة وانتفضنا فرحا يملؤه الخوف حيث اننا كنا ذاهبين هناك بحجة السياحة علما بأننا لن نرجع ” لو بعلقوا مشنقتنا ” فجهزنا انفسنا وتدربنا ولبسنا الثياب الأنيقة وذهبنا في الصباح الى السفارة وأذكر حينها أننا وقفنا على “الدور” أكثر من ساعة تحت الشمس ومن ثم دخلنا الى الداخل واضطررنا الى خلع الحذاء والحزام وكل وسائل التواصل الاجتماعي وتمت مقابلتنا باللغة العربية فسألتني الموظفة عن غاية السفر ولماذا اميريكا فحاولت أن أجيبها بطريقة تقنعها كي تقوم بالموافقة علي وتمنحني صك الحياة.
وفجأة أعطتني ورقة قبيحة اللون وقالت لي بكل بساطة بلغة ” الخواجات ” (سوري أنت غير مؤهل للسفر الى اميريكا) ، عندها لملمت ما تبقى من هويتي العربية وذهبت مسرعا للخارج وكأنني كنت في زجاجة وكانت الرفض هو العنق ، فخرجت من باب السفارة وشعرت حينها بأن الوطن يعاتبني وكأنه كان يقول ” مين الك غيري ” فحضنت الهواء والماء وصرت اركض بعيدا عن تلك المساحة التي رافقتني منذ الصغر الى ان تم رفضي لأني غير مؤهل للسفر الى هناك.
تخلصت من تراهات السفر وخرافات اللعب وعدت الى حضن الوطن متأسفا له معترفا بحقه علينا مهما حصل ، ولكن لا زال هناك شعور داخلي بأن هناك من يتلذذ بأننا غير مؤهلين وكأنه نفسه الذي كان يتلذذ بعدم امتلاكي لتلك اللعبة..!!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى