أنا شَهريار(ة)، لِمَن أحكي رَمادي؟!

[review]

قالَت لي سوزان مرَّة وهي تُحدِّقُ في خيوطِ المطرِ النازلةِ كقضبانِ زنزانة: quot; نَحنُ لَسنا مِنْ لَحمٍ وَدمّ، جِئنا مِن الرواياتِ وإلى الرواياتِ نَذهَب، أكتُبْ عنَّا روايةً يا حسين، نَحنُ روايةquot;).

الضوء الأزرق د-حسين البرغوثي ص220

.

مقالات ذات صلة

.

نحنُ رواية. أنتَ رواية. وأنا ndash;أيضاً- رواية، .. لكنَّني لستُ quot;سوزانquot; ولا أجدُ quot;حسينquot; آخر كي يَكتبني، بَل وجدتُ- وللمفارقة- رسالةً في بريدي مِن صديقةٍ عزيزةٍ تحرضّني فيها ndash; ودون أن تقصد- على أنْ أكتبُني بِنفسي!.

تقولُ صديقتي في رِسالتها والتي ألمحُ فيها عَتباً، أو فلنقُل قَلقاً بعدَ أن شاهدت صورتي الأخيرة:( لا أعرِفُ ما الذي يدورُ في داخلكِ، لكنَّني واثِقة مِن أنَّ ثورة ما تَجتاحُكِ مِنَ الداخل،……لمحتُ فيكِ ثورات صامتة أكثر مِمّا هي صارخة، والصَمتُ لا يَرحَم أحياناً).

وصديقتي العزيزة هذه، كاتبة مدهشة والأجمل أنّها قارئة أجمل إذ أنّها تقرأ الكلام وتقرأ الصور!، وأذكرُ فيما أذكرُ أنَّ رسالة قَلقة وَمُتسائلة وصلتني منها قبل عام، وتحديداً في تاريخ 3062010 كتبت لي فيها: ( صورتكِ الأخيرة فيها وافر من الجمال عن سابقتها لكن أعذريني سأخبركِ عن تحفظّي عليها، هناك شيء ما يختلف فيها، وَكأنَّ وجهكِ فَقدَ شيئاً!، أو أنّّكِ تحاولين إخفاءه..) ، يومها كنتُ سأهرعُ وَغَضبي نحو المصوّر وأطالبه بإعادةِ ما سَلبهُ مِن وَجهي ndash; زوراً وبهتاناً – لولا أن تَحسَّستُ ذنبي! ، فكتبتُ ، لا بل اعترفتُ: ( نَعم عَزيزتي، كنتُ أثناء جلسة التصوير أل ..أكرهُها أهِّمُ بارتكابِ معصيةٍ ما!،..والشوقُ الشوق وحدهُ معصيتي!)

وإنْ كنتُ قَد خرجتُ مِن ذاكَ المأزق بتوقيعِ اعترافٍ لَم يَكُن يسيراً بفعلِ شرقيتي ولا عسيراً بفعل شوقي العتيق المُعلن! ، أجدُني اليوم أكتبُ رسالتي لها، أكتبُني ..عَلى مَلأ ، لعلَّني أجيبُ عليها كما وعدتُّها وأجيبُ عليَّ دون أن أعِدُني!.

***

صَديقتي العزيزة:

مُذ وصلتْ رسالتكِ الأخيرةُ وأنا أحاولُ- سُدىً- الكتابة لكِ دونَ أنْ أجرِّحَ الأشياء ..فينا، أبحَثُ عَن كَتفِ (كيبورد) تَتكئُ حروفي فوقَهُ وتَنتَحِبُ ردَّاً، أخلعُ ثيابَ فَرحٍ لَم تَكن عَلى مقاسِ هزائمي يوماً، أشعلُ عشر أصابعي بِثورتي; إصبعاً إصبعاً، فأحرِقُني وَأحكي.. رَمادي.

يا إلهي، لِمَن أحكي رمادي؟!.

أراهنكِ عَلى سبعةِ أقمارٍ ناضجةٍ ووطن واحد ndash; نيِّء بالضرورة- أن جرَّبتِ يَوماً نشوة الإحتراق ، أراهنكِ عَلى ثلاثِ سمكاتٍ; صفراء وبرتقالية وحمراء تدسُّ.. خياشيمها في كلِّ تفصيلةِ ذاكرةٍ تَجرَّعتُها إنْ ذقتِ يَوماً ملحَ النسيان.

دعيني أحدثّكِ عن النسيان، أنا الموغِلة في الذاكرة، يوم كنتُ أتسلّى بقضمِ الثلج على مرأى من الجمرِ، ويوم كنتُ أسابقُ ظلِّي في الشوارع خوفاً مِن بهجةِ عيدٍ قادم لا أحتاجه ، ويوم كنتُ أنشجُ شوقي في الطرقات ككلِّ العشّاق الفقراء، ويوم كنتُ أبحث عن قطعةِ وطنٍ ndash; وهذا ليس بزمانِ الأوطان- ككلِّ أبناء السبيل.

تلكَ هي الداجِنة أل ..كُنتها; شهرزاد أخرى تحتالُ على سيفِ مسرور وطغيانِ شهريار، وما في يديها غير رجع الألم .

تِلكَ هي المُستكينة أل..كُنتُها; فيا وجع القلب إذ يحولّني إلى شهريار(ة)، وَكأنّني على شرفاتِ إنتظاري منذُ ألف عام!.

أنا يا صديقتي شهريار(ة) هذا النسيان الذي يقطرُ إمعاناً في التحدي، وَتقتلُ في كلِّ ليلة أشباح الذاكرة الرمادية أل يتناسلونَ مِن وجعها المزمن حَتَّى القلب، أقتلُهم شَبحاً شَبحاً وتفصيلة حنينٍ وأخرى، أقتلهم وأشياءهم .. جميعَها لا أستثني مِنها شيئاً، ولا مِنِّي!..وعجبتُ وَقد وَدَّعتُها كيفَ لَم أمُت وكيفَ انثَنت تُقبِّلُني!.

صديقتي العزيزة:

ما لَمحتِه في صورتي من ثورة صامتة!، كان ردّ فعل تلقائي وطبيعي على نموّاتٍ أصبحت زائدة عن الحاجة!، ، وهي ثورة حقيقية نابعة من العقلِ الذي يرفض أن أبقى مستكينة وداجنة ومسلوبة الحريّة، وهي بنفس الوقت ثورة على (حرّاس النوايا) الذين قرروا أنّهم وحدهم عباد الله، وأنني طارئة على البشرية!، وأنَّ لهم الحق ndash; وحدهم- بعبادته وما عليَّ إلا أن أعبدهم سَمعاً وَطاعة.

قد أكون ضيّعت طريقي، أو فلنقل لَم أصبر على إبتلاءاتي ولكن حسبكِ أن تَعلمي كَم أنا صادقة وعارية كالحقيقة!.

هَا أنا ، وَهذا رمادي، فأينَكِ وأينَ رائحة احتراقكِ؟

وَها أنا، عِند حدودِ الصمتِ أهذي بالكلام فأينهُ ضجيجكِ؟

وها أنا، وما بَيننا مِن كلامٍ يَصمت دونَ أن تنزِلَ قطرةُ دمٍ واحدةٌ من أيٍّ مِنَّا ،

فَضُمِّيكِ إلى( كََمِّ ) نَزفي أو.. جَففيني!.

***

وإن كانَ الكلام سَكتَ هُناك، فهو لَم يفعل هُنا بعدْ .

يقول سيوران: ( بعدَ تجاربٍ مُعيّنة، يَتوجَّب عَلينا تغيير أسمائنا، لأنَّنا لَم نَعُد نحن!).

ويَقول د-حسين البرغوثي: ( العقلُ دولاب، وكلّما دار الدولاب، تَغيّرت طريقتنا في النظرِ إلى الدُنيا والحياة وأنفسنا، وتغيّرنا!).

وأقول:

أنا شهريار(ة) الأمّة، المقهورة والداجنة والفَقيرة والمُغيّبة بفعلِ سياساتٍ تَجهيلية، قامت بتخديرها بكلِّ أنواع (الأفيون) وأشكاله!.

أنا شهريار(ة) الشعوب العربية، التي فَدت دماءها وروحها للسّاسة من المحيطِ إلى الخليج ولم تَسمع إلا رجع الطغيان!، وأنا شهريار(ة) بفعلِ ثورةٍ صاخبة لا صامتة، مُعلََنة لا مُختَبِئة.

أنا هي شهريار(ة) ، وسأجِّز رقاب (اللاحريّة) التي تطاولت في الظلم رقبةً، رقبة…

فأينكَ يا مسرور؟

ها أنا آمُرك ، فلتفعل!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى