” أمي لا تعرفني ! ” / د . محمد شواقفة

” أمي لا تعرفني ! ”

آه يا جداري المنحوت في عالم الوهم … تسألني ماذا يدور في خاطري … أعلم أنك تستفزني كما الوقت و الدهر و الزمان لأبوح لك بمكنون صدري الذي ضاقت به العبرات و الأنفاس. لطالما كنت نافذتي التي تفتح عالبعيد فأصرخ منها بصوت عال و لا أنتظر أي صدى يعود …. أبكي و أشكو و لا يتملكني وجل ولا خجل أن تنزل دمعتي و لا يراني أحد …. لا تضيق ذرعا بمناجاتي و لا مناداتي و لا يأسي و لا تأملاتي … ولا يثقلك كثير كلامي أو التباس حروفي و شرذمات أناتي.
لمن أكتب اليوم ؟! و أمي لا تعرف القراءة … و هي حقا لا تريد القراءة و لا الكتابة و لا أي شئ سوى أن تراني أمامها و بين يديها تحضنني و أقبل وجنتيها و يديها و تضمني لصدرها بدلا من صورتي المعلقة على الجدار الذي لم يعد يحتمل النظر إليه …. لم يعد نظر أبي يساعده ليقرأ لها رسائلي الكثيرة … يحاول ان يخبرها بأنني بخير و بأنني أشتقت إليها و بأنني أعد الايام كي أعود إليها …. و لا يمنعه سوى دمعة أسى … و يتمنى ان يصدقني …. فهي لم تعد تسمع بوضوح و هو لم يكمل ما كتبت لأنه سمعه آلاف المرات … و لكنها تنظر إليه بعينيها و تبكي دون ان تنبس ببنت شفه …. فهي لم تعد تستطيع الكلام … تحاول أن تنادي و أن تستنجد ببقايا الوقت …. بما استودعته عند الله محبة ليكون سندا و عضيدا و ظهرا لها عندما لا تستطيع الحراك …. و لكنها تعجز عن النطق فتنادي بعينيها فلا تجد من يسمع نجواها …. و لم يسمح الاسى لاختي بأن تستكمل مما كتبت جملة … فتنحدر دمعة عتب يخالطها كثير من الرجاء … أمنا ليست بخير!!! … شمعتنا تفقد بريقها و يخفت نورها … و لكنها تبتلع الحسرات و تمضي …. و لم يبق لأخي الذي ينهال ساخطا على كلماتي غير أن يلتزم الصمت في حيرة …من أين اكتسبت كل هذه القسوة ؟!
يا جداري المسكون بالوهم … لا تعتقد أنك تريحني عندما أبثك نجواي …. و لا تظن أن الاعتراف في محرابك على الملأ قد يخفف الألم … فأمي لم تعرف القراءة و لا الكتابة و لكنها كانت تعرف كل ما اقول و تدرك كل ما أفكر به … لم تك تحتاج شعرا لتعلم انني أحبها و لا نثرا لأخبرها بحجم الاشتياق …. كانت على الدوام تحادث صورتي المعلقة على الجدار … تناديني فلا أسمع …تناجيني فلا أجيب … و كل يوم يمر و أنا ارافق الدهر زمانا يمر و عمرا تطويه الايام صفحة تلو الأخرى … لا بد أنني سأعود يوما..!!
رفقا أيها الزمان … لم العجلة ؟! … هآنذا يا أماه …عدت بعد كل تلك الايام …. محملا بأحلامي …. وعندما سألتها: أطلبي مني ما تشائين … طبعت قبلة على جبيني خالطتها دمعة … و سألتني : أنت بخير !؟!.
عدت … لا صوتها يناديني … و لا عيناها تناجيني … و لا يداها تقوى على ان تحضنني و تداعب شعري و هي ترقيني… فهي لم تعد تعرفني ! … و لكنني رغم الألم و الشعور بالعجز و الندم ما زلت أعرف أنها أمي …..
كم تمنيت أن يعود الدهر فلا اهاجر و لا ارحل ولا ابتعد …. اتخلى عن كل شهاداتي و كل ما اعطتني الدنيا من زينتها و ابادلها بلحظة عندما كانت تعرفني …!!!

” دبوس نادم …”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى