ألا ليتَ مُسدَّس الماء يعودُ يوماً !! / نداء ابو الرُّب

ألا ليتَ مُسدَّس الماء يعودُ يوماً !!

بما أنني عشتً طفولتي البريئة بحذافيرها وتفاصيلها في الأردن العزيز، فبإمكاني بكل سهولة أن أضع تاريخ بعض ألعابنا ومراحل تطورها عبر حقبات التاريخ! منها مثلاً مراحل تطور المسدس الذي كنا نعشقه بشكلٍ مخيف كوننا شعبٌ نتمسك بكل أسلحة القوة والشجاعة، ونعتبرها رمزاً للبطولة والجسارة، ولن أنسى أننا جعلنا من المسدس لعبة مفضلة من المستحب حيازتها أيام العيد، في البداية كان يغرينا مسدس الماء إذ يمنحنا انتعاشاً لذيذاً، يملأ ثيابنا وأجسادنا من رؤوسنا حتى أخمص أقدامنا، تنزعج منه أمهاتنا طبعاً إذ يعتبرونه منبعاً للفوضى وسبباً رئيسياً في تحويل الأرض الساكنة إلى زحلوقة!
ظهر فيما بعد مسدس الطلقات النارية المزيفة، مميزُ كان بصوت طخه الحقيقي وأجوائه الحماسية، وفعّالُ في تمثيل مسلسل بوليسي في الحارة بمشاركة جميع أولاد الجيران، تطوّر الأمر لاحقاً وبرز مسدس الخرز! كان الهدف من صنعه التخفيف من الضوضاء التي يخلفّها مسدس العيارات النارية، ولكن تم الاعتراض عليه إذ أثبت خطورته لحظة إطلاق الخرز من فوهة المسدس حيث تنطلق بسرعة كبيرة وإذا ما اصطدمت في وجه الإنسان أو عينه ألحقت به أذىً عظيماً، ومثله مسدس الطلقات المطاطية التي تلتصق بالجدران تم التحذير منه لتسببه بإصابات بالغة في العيون.
حالياً ما عادت المسدسات الوهمية تغري طفولتنا، وما عادت العيارات النارية الكاذبة تشبع شجاعتنا، فكثرت المسدسات الحقيقية، وبات وجودها في معظم منازلنا أمراً مقضيا، ارتفعت بوجودها حوادث القتل العمد والخطأ، تاهت معها أجسادٌ بريئة دُفنت باكراً ووهج شبابها انطفأ، فهذا طفل عمره ١٢ عاماً يلعب بمسدس والده دون علمه لوجود طلقة فيه، فيقتل أخته ابنة ال ١٧ ربيعاً ، ليقف حائراً وسط بحيرة الدماء تعلو محياه علامات الخوف والدهشة، وترتجف أوصاله وتتسارع دقات قلبه وتعتري جسده الطفولي رهبة ورعشة، حوادث مأساوية تتكرر كثيراً، نمر عليها مرور الكرام، نتأثر لحظياً ونكمل بعدها حياتنا ونقرأ على حلولها السلام، لماذا نقتني أسلحة في بيوتنا دون حسيب أو رقيب، لماذا نهدر ارواحاً طيبة ونغلق ملف وفاتها بدموع التماسيح والنحيب؟؟أين هي العقوبات الرادعة؟؟ ألن نصل إلى حلول جذرية لهذه التجاوزات اللإنسانية؟؟ هل يكفي أن نكتب المقالات؟؟ ونشجب ونستنكر ونرفع الشعارات؟؟
ألا ليت مسدس الماء يعودُ يوماً، لأخبره بما فعل المسدس الحقيقي وكيف أبكى أعيننا قهراً، ألا ليته يعود ليملأ ثيابنا بالماء، ويغسل جراح أجسادٍ بريئة طمست معالمها الدماء….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى