أشجان معلمة آخر العام!! / ماجدة بني هاني

أشجان معلمة آخر العام!!
انتهى العام الدراسي، وانتهت معه حقبة من احتباس الأنفاس، وتعداد الساعات والثواني، وخلت المدرسة من روادها…
خلت تماما إلا من صفير النوافذ الخربة، وصرخات احتجاج تتردد أصداؤها هنا وهناك، ونبأة الأرواح المرعبة….
المدرسة وهي فارغة من البشر موحشة جدا، كأنها الدنيا عندما تخلو ممن تحب!
والكراسي…تلك التي كانت آ هلة بمن يأمر وينهى، ويمنح ويمنع… الكراسي الآن شاغرة كأنها الدنيا حين تؤول إلى الفرااااغ….يوم يشغر كل ما فيها، ويساق البشر إلى بارئهم زمرا…..
فبأي زمرة ترانا نكون؟
هذا العام ليس كأي عام… كان فريدا مختلفا، غاصا بالأحداث الأليمة على مستوى الوطن، وعلى مستوى النفس.. ولكن على الرغم من ذلك كله، كان حافلا بالعطاء…
وثمة حكايات وأشجان شهدتها الغرف الصفية ونجاحات، ولحظات فرح يقابلها ساعات من الإحباط، وخيبات الأمل…. إلا ان الخيبة الكبرى هي في النهايات!!
في آخر العام تتفجر موجات من الغضب، يتعرض خلالها المعلم لعسف من نوع غريب، ويبرز كتابه المرقوم كيوم الحساب، تعداد الهفوات، وإحصاء الزلات، في محاولة مقصودة أو غير مقصودة، للتقليل من جهوده، وتقزيم حجم عطائه، بحجة ورقة يسمونها التقرير السنوي…
ليت شعري!!هل هناك سجلا يسع فعل المعلم! ويحوط إنسانيته، ويرقى لنبل مهنته!!
كيف تصف فيه كيفية ذوبان روحة ، واستطالة صبره، وتناسيه لذاته وهو يعلم علم اليقين، أن جبلا من حقوقه ومكتسباته، وآماله وطموحاته ومصير أبنائة،كل ذلك مدرج في طوايا النسيان، بل الإهمال، لتصبح المهنة الأكثر إنسانية، ونبلا، هي مهنة الفقراء!!

ومن العجيب أن يربط على قلب ولسان المعلم من أجل التقرير، تلك الأ لسن التي خلقها الله لقول الحق، وترسيخ قيم الصدق، فتراها تشترى وتجير لكل شئ… إلا النطق بالحق!!
بالله عليكم يا أصحاب الضمائر الحية، والجهود المضنية، كيف تتحول جهودكم وأسماؤكم إلى أرقام قابلة للزيادة والنقص وهل تستحق هذه المسألة أن تنال شيئا من مصداقيتنا، أو نطعن بعضنا، أو ندخل في أزمة ثقة واحترام لأنفسنا!!!
مدرستي، غادرتك هذا العام، وفي قلبي صرخة احتجاج، وغصة عتاب، فأنا أفرح في نهاية العام، أتذكر موسم الحصاد، وأكوام القمح، ومنظر السنابل، وهجيني الأجداد، يهللون وعرقهم يتصبب على جباههم، ما الفرق بين السنبلة وبين طالبة تقطر أدبا وعلما؟!
لا نريد أوسمة ولامكافآت… نريد أن نغادر فقط بقلوب متسامحة، ونفوس صافية، ويكون أجرنا الحقيقي نظرة رحمة ورضى من رب العالمين، فهو الرقيب الحسيب، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
زملائي المعلمين وزميلاتي المعلمات، لنعلم جميعا أن مهنتنا انسانية أخلاقية في المقام الأول: عمودها الإخلاص، ومادتها التفاني، نريد آخر العام، الله يعطيكم العافية، ومع الأسف نرى البعض يحجبها….
وإني من موقعي هنا ومن هذا المنبر… أقولها للجميع، الله يعطيكم الصحة والعافية، وبوركتم، وكل عام وأنتم بألف ألف خير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. رفيقتي واعز اخواتي…..والله كأنك في قلوبنا تصدح كلماتك بما عجزت عنه حروفنا….نعم هذا حالنا …لا حمدا ولا شكورا ….الا ممن لم يغيرهم او يؤثر فيهم نفاق الحياة ومصالحها او من نفوس خلت من الحسد …. ونظرة المجتهدات من طالباتنا …..مللنا تعبنا ….الا يكفينا شقاؤنا في الحياة ؟؟! على كل الاحوال كلماتك نوافذ لنا …وصداقتك وامثالك تخفف عنا اعباء مهنتنا المعقدة…..لا تتوقفي عن هذه الكلمات …..اسسسسسستمرررررري

  2. السيدة الفاضلة : من أصعب المواضيع وأدقها التورط في حديث عن التعليم في الأردن ، ذلك أن أبعاده كثيرة و زواياه متعددة ، ورؤاه متباينة ، مع تجاهل لكل ما يكتب ويقال من قبل الإدارات العليا ، فمركزية التعليم مطلقة ، مع غياب مجالس تعليمية عليا قادرة على تصحيح الوجهة ورسم السياسات الإستراتيجية للتعليم ، بحيث يغدو دور الوزارة تنفيذي . أن اهم ما يمكن قوله هو تدخل السياسة في التربية ، عند هذه النقطة تغيب المهنية ، ويغادر أبناء الميدان إلى زوايا قصية ، وتحل الشعاراتية ، والعناوين الكبيرة محل التفاصيل الدقيقة المطلوبة ، أستذكر هنا إدارات جاءت بقوة المحسوبية ، ونحزن على جهلها وتخريبها لما بنته أدارات سابقة ، في ظل تغييب متعمد لدور المعلم ، وتهميش للنقابة ، ونزعة مركزية تكرس الفشل وضياع الجهد .
    مقالة السيدة الفاضلة على صفحات سواليف مهمة ، ويفترض أن تفتح حوارا ثريا حول التعليم في الأردن ؛ العام والخاص ، خصوصا أن الكاتبة ابنة إنجازات أكاديمية على مستوى الوطن .

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى