أسرى الشعارات الجوفاء / يوسف غيشان

أسرى الشعارات الجوفاء

مللنا تماما من قصة الكيل بمكيالين التي نتهم فيها امريكا اولا والغرب ثانيا ، ولم تعد هذه (التهمة) تقنع احدا أو تسئ الى أحد ، فلا أمريكا ولا الغرب يشعران بأن في الأمر تهمة ومثلبا أخلاقيا أو سياسيا ،لا بل يعتبرونه تحصل حاصل وأمر واقعي ومنطقي وطبيعي تماما.
أن مستعمرين قادمين من الغرب منحوا انفسهم حق طرد الشعب الأمريكي الأصلي وحلوا محله بكل وقار وسؤدد، وهم يحتفلون بهذا الإحتلال سنويا في عيد الشكر ، فهم مستوطنون مستعمرون وهذا وجه التطابق بينهم وبين الصهيونية ، فلا داعي لإتهامهم بالكيل بمكيالين لكأنهم يشتعلون على باب بابور الطحين اللي بحارتنا .
الصليبيون الذين غزوا الشرق في القرن الثاني عشر وما تلاه، تجاوزوا رسالة المحبة المسيحية ، و(من ضربك على خدك الأيسر فأدر له الأيمن)، واعتبروا القتال ضد (السراسنة) – كما كانوا يسموننا- رسالة سماوية وهدفا دينيا يبتغي مرضاة الله، ولم ينسوا قبل وصولهم الينا ان ينهبوا (القسطنطينية ) مهد المسيحية الشرقية القويمة، لا بل ان احدى الحملات الصليبية تناست دورها في تحرير بين المقدس كما كانوا يدعون، وقامت بنهب القسطنطينية وذبح الالاف من سكانها ثم قامت بإسقاط امبرطور بيزنطة، ووضعوا مكانه واحدا من جماعتهم.
نعود للكيل بمكيالين ، فهذا وضع طبيعي نقوم به نحن ايضا ، ولا يمكن اعتبارها تهمة، الا في نظر الذين ينظرون للأمور بشكل مسطح، أوللفلاسفة الأخلاقيين الذين ينسون بشاعة الواقع ويركزون على متانة المنطق الصوري داخل النظرية الأخلاقية التي يعتنقونها.
انت وأنا مثلا ….اذا رأينا ان موقع أخونا، طريد (العدالة الأمريكية) جوليان أسانج مؤسس موقع(ويكيليكس) الأليكتروني ، المتخصص بفضح السياسات العالمية ( والأمريكية على الأكثر) بالوثائق، إذا رأينا أن ما نشرها يتناسب مع وجهات نظرنا ،فإننا نشيد بشجاعته وعبقريته ، أما إذا نشر وثائق تفضح اصدقاءنا أو من نعتبر أنفسنا معهم بذات المعسكر ، فإننا بلا شك سنتهمه بالصهيونية ، وبأنه مجرد مؤامرة تستهدفنا، وهي ممولة من الموساد والسي اي ايه، لا بل اننا لا نتورع أن نذكر كمية الأموال المصروفة وأرقام الحسابات السرية . ……!!
لا اطالب احدا منكم أن يكون موضوعيا ، لأني أنا شخصيا لا استطيع ان أكون كذلك ، لكني (أطالبنا) بأن نعترف بلا موضوعيتنا، لعلنا نفهم العالم أكثر ، والأهم ، أن نفهم انفسنا أكثر . حتى نشتبك مع الواقع بشكل حقيقي ، وليس تحت شعارات جوفاء وكليشيها تافهة مثل قصة الكيل بمكيالين .
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى