أرثيك أم أرثي القوافي / أ.د.خليل الرفوع


أرثيك أم أرثي القوافي
(في رثاء الأديب الراحل الدكتور سامح الرواشدة)

أرثيكَ أمْ أرثي القوافي والندى
ريحٌ على دمعىْ ، تُجففُني وتنسجنُي
كما الصحراءُ تنسجُ ثوبهَا منْ رملِها
لِتُدفئَ الكثبانَ منْ أنفاسِها .
رحلَ الذينَ يُعاشُ في أكنافهِم
مثلَ الغيومِ تزفُّها نوقُ الصِّبا
نحوَ السماءِ السابعهْ
يا أيُّهَا المنثورُ في أحلامنا
حُلُمَ الرجولةِ كنتَهُ منذُ الصبا
واجتزتَ أوديةً منَ التعبِ الشقي
يا ابنَ الكرومِ ، من الكروم تعتقتْ
نبضاتُ قلبكَ مثلَ وجهِ الفجرِ
أوْ طعمٍ شهيْ
يا أيُّهَا الآتي إلينا منْ زمانِ الأنقياءِ الطيبينْ
أو من تجاعيد الوشومِ
على جباهِ المتعبينْ
حرّى هيَ الأوجاعُ تُثقِلُ قلبَهُ
وتعتِّقُ القرويَ في أشجانِهِ
يا صاحبي منذُ التقينا في الثواني
كنتَ فكرا سامحيًّا للكلامْ
بَدءُ الكلام ومنتهاه إليكَ
من حدثٍ إلى ألمٍ
ومن ألمٍ إلى شجنِ الحياهْ
كنتَ السلامَ على الكلامِ
على سُرى قمرٍ حزينْ
يا صاحبي كنتَ الحزينَ الحالما
كنتَ الحليمَ سماحةً زمنَ الجهالةِ والسقوطْ
عيٌّ تُشِّيعُ ابنها
زيتونُها يغفو على وجعِ الضُّحى
وبقيةٌ من زيتهِ
تُـبْـقِـي السراجَ مُكوْكَبًا
كي يهتدي العشاقُ للنعشِ المسَجَّى في القلوبْ
وجهُ الضياءِ يَحُفُّهُ برموشِهِ
آيٌ منَ الذكرِ الحكيمِ تهزُّهُ
كالقُطنِ أوْ جُنَّازِ نخلٍ في جِنانِ الخالدينْ
يا ابنَ الدَّوالي والصباحاتِ
التي تصحو على صَـدْحِ المناجلِ في الأكفِّ الناعسهْ
بالتينِ والزيتونِ والعنبِ المُنَدَّى بالدعاءْ
دفَّأْتَ كفكَ كي تُصافِحَكَ الحياهْ
وكبرتَ كالزيتونِ مُخْضرًّا بكلِّ الأمكنهْ
وهناك أنتَ ، هنا ، تُذكرُنا
القصائدُ بالرحيلِ المُـرِّ تطحنُنَا الأغاني
كلما صِحنا هنا
قدْ كان يأتي مثلَ تسبيحِ المصلي
خاشعًا
ومضى كسجدتهِ غريبا لانهائيًّا
تراودهُ المنايا بين طعمِ الموتِ
أو إغفاءةٍ فوقَ السنين الآتيهْ
فاختارَ أوبتهُ إلى غِمدٍ سماويٍّ
بلونِ الياسمينْ
أنا يا صديقي
نفحةٌ طلليَّةٌ تجتازُ أرديةَ السرابِ غريبةً
أدري بأنكَ صاعدٌ للأنبياءْ
وأنني كأسُ المنايا
النازعاتِ ضُحًى
فأسندُ رأسِيَ الموجوعَ
في جوفِ الثرى لينامَ
مشكاةً تُضيْءُ بنورها
غَـبَـشَ النهاراتِ الطويلْ
أوَّاهُ منْ خَـبْـطِ المنايا خِلسةً
والموتُ أقربُ من صَرَخَاتِ طفلٍ
عضَّهُ الميلادُ لحظَةَ بعثه .
أهديْ إليكَ قصائدِي
ترتيلةً مخضرَّةً من روحيَ الثكلى
ومن جسدٍ تُشققُهُ السنون على ضفافٍ من حنينْ.
أهديْ إليكَ الروحَ والأرواحَ
ما في الكأسِ من شِعرٍ مصفَّى بالحنينْ.
ورحلتَ مثلَ النارِ
مثلَ الغارِ مرفوعا على أهدابِ طيرٍ نورسِيٍ
غاصَ في الغيمِ
غيابهُ ما كانَ موتا واحدا لكنَّهُ بنيانُ قومٍ هُدِّمَا
دُرّيَّةٌ أحلامُهُ كشهابِ قنديلٍ يُنيرُ بضوئهِ
موجَ الليالي في السنين الخادعاتْ
سبحانَ مَنْ خلقَ الحياةَ وردَّها
من بعدِ زينتها متاعًا للرفاتْ
سبحانَ مَنْ خلقَ الحياةَ وردَّها
من بعدِ فتنتها غُثاءً كالزهور الذاوياتْ
فتانةٌ تُغْوي الغُصُونَ برقةٍ
فإذا انتشتْ مادتْ
فتطويها العقيمُ بلحظةٍ دوَّارةٍ
فوق الزوابعِ كالأماني الضائعاتْ
أرثيكَ أمْ أرثي ربيعَ الذكرياتْ
أوراقيَ الثكلى تئنُّ بحبرها
لغةُ الحروفِ كئيبةٌ
أرقٌ يسهِّدُ صمتها
شفقُ الغروبِ يبوحُ ليْ
ظلُّ ابتسامتكَ الأخيرةِ فى الجوى
طيفٌ تسللَ كالوميض
يهدُّنَا طيفُ الكروبْ
ما كنتُ أدري أنني بالباكياتِ
أسطِّرُ الأشعارَ ترثي جرحهَا
هيَ آهةٌ كتَّمتُها في الصدْرِ
تصلى نارُها كلَّ النشيجِ وما تأججَ
من شجونٍ موجعاتْ .

أ.د.خليل الرفوع
جامعة مؤتة

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى