أخذت من ابنتها يوما لله / د . ديمة طهبوب

أخذت من ابنتها يوما لله
سيدة من أعيان العمل التربوي والخيري نجحت في المعادلة الصعبة فأنجزت لله في خارج البيت وربت أولادا مبرزين في حياتهم ومجالات عملهم وزوجتهم وتوسعت عائلاتهم وبقيت عندها آخر العنقود تسندها وتؤنسها، ومع تقدم العمر أصبحت تحتاج الى من يوصلها لمتابعة أعمالها التطوعية فطلبت من ابنتها ان تخصص لها «يوما لله» ترافقها فيه وتساعدها على أداء مهماتها، وهذا لا يتنافى مع أن عملها الوظيفي اليومي الذي تأخذ عليه أجرة هو أيضا مفيد للدين والدنيا ومبدع ويخدم الناس.
توقفت عند المعنى كثيرا وعن العهد بين الأم وابنتها وفكرت في هذه العلاقة الراقية بين الوالدين وأبنائهم التي تتعدى الاطعام والكساء والستر الى إحياء النفس وتكوين الشخصية وفتح السبل والمسارات في الحياة، هذه العلاقة التي تتعدى الاسلام الشعائري الى المعنى الوظيفي الذي لا بد أن يظهر للناس، فحجابك وصلاتك كلها لك والاقتصار عليها فقط أنانية، أما الدين الحقيقي فهو ما يظهر للناس في معاملاتك ومنفعتك لهم.
توقفت عند المعنى كثيرا لأتساءل ماذا نورث لأبنائنا غير الدرهم والدينار، قل أو كثر؟! أوليست المعاني النبيلة أهم؟ هل ستزول آثارنا في حياة أبنائنا بمجرد موتنا او نفاذ ارثنا لهم؟ أم أن هناك معنى و قيمة و سلوكا و سنة حسنة و باب خير سيقى مفتوحا و مستمرا و مطردا في حياة الأبناء وبه يحيا الإباء مجددا وتحيا ذكراهم فيظل الولد والبنت يرددان: كان أبي يفعل كذا، أمي أول من ربتني على كذا، رحمهم الله ما زلنا نفعل الخير الذين كانوا يفعلونه في حياتهم..
هذا هو البر المقدم الذي يستبق به الأباء بر أبناءهم لهم فمن زرع مثل هذا الخير في فطرة سليمة لا بد أن يحصده أجورا مضاعفات لا تنتهي بالزوال الجسدي!
توقفت كثيرا عند المعنى لاتساءل ماذا سيذكر أولادنا عنا و منا؟ هل يكون معنى الاية «و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم» أن اللحاق و الانتساب الى الأباء ليس فقط نسبة دم و عائلة بل نسبة إيمان و عمل و بذا تحفظ و تتعمق الوشائج بيننا و بين أهالينا في الدنيا و الآخرة
لقد علمني هذا الموقف أن أراجع نفسي كأم و أفكر فيما سأبقيه لابنتي و عهدي لها في الحياة و الممات
هل الدعاء الذي سيبقى لنا من أبنائنا «ولد صالح يدعو له» هو دعاء لاننا أنجبناهم و رعيناهم فقط أم أنه دعاء الامتنان لان لنا بصمة في صلاتهم الخاشعة و حجابهن الملتزم و أمانتهم مع الناس و اخلاصهم و احسانهم في العمل و تفانيهم في خدمة أوطانهم؟! هل سنبقى في قلوبهم وخزة النفس اللوامة و صوت الضمير الذي يذكرهم بالله و يحضهم على الخير في غيابنا قبل حضورنا؟! هل سيذكروننا مع كل حب و إقبال على الخير بنفسية العطاء المنشرحة و المبادرة؟!
جاء في أحد القصص: قالت لي أمي يوما وأنا صغير هل تستطيع ان تقول كلمه حلال وتظل شفتيك مفتوحه؟ حاولت ونجحت ان اقولها بدون ان اطبق شفتاي. صفقت لي امي وقبلتني ثم قالت هل تستطيع ان تقول كلمه حرام وتظل شفتيك مفتوحه؟؟حاولت مرارا ولم استطع فقلت حزينا لا استطيع مهما حاولت في النهايه تغلق شفتاي. ضحكت امي وقالت هذا هو الفرق بين الحلال والحرام يا بني. الحرام اغلاق وشقاء والحلال فتح وسعاده فأختر ما شئت إما ان تفتح لك ابواب الدنيا والآخره وإما ان تغلق في وجهك. ومن يومها اذا فعلت حراما اطبقت امي شفتيها وعلى وجهها تكشيره واذا فعلت حلالا فتحت شفتيها بإبتسامه وكانت تقول لي اذا كنت تحب ان ترى ابتسامه امك دائما فعليك بالحلال. كبرت وحاولت ألا أفقدها ابتسامتها أبدا. وماتت أمي ودخلت لأقبلها القبلة الأخيره فوجدتها مبتسمه مفتوحه الشفتين قلت على العهد يا أمي››الحلال الى ان القاك».
إن الايمان عهد و الدين عهد و الصدق عهد و الاخلاق عهد و الوطن عهد فانظروا ماذا تبقون لأبنائكم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى