أحلام صغيرة / احمد المثاني‏

منذ أن كنّا أطفالاً صغاراً ، و حين كان للحارة و رفقة الحي ، و ملاعب الطفولة معانيها ، و جمالها و براءتها في تلك الأيام .. كان لنا أحلامنا الصغيرة ، تفرضها حال الآباء ، و ضيق ذات اليد ، و بساطة العيش .. لم تتجاوز أحلامنا ، نحن أولاد الحارة أكثر من كرة قدم مصنوعة من الجلد ،، فكنا نلعب بكرة مطاطية أو مكورة من القماش .. نتقاذفها في الأزقة و الحارات .. و كنا ننتخب رئيس الحارة ، و هو بالطبع يمتاز عنّا بروح قيادية ! و كنّا ننظم الفرق و نقيم المباريات بين حارة و حارة .. و كان امتلاك حذاء رياضي “بوت” من مظاهر النعمة ، عند بعضنا ، و كان حلماً لنا و نحن ننتعل ” صنادل” بلاستيكية أو حذاء من الكتّان .. حينها كان البوت الصيني ذو الأصابع في أسفله هو الرائج و السائد .. لعل أبناءنا اليوم لا يتخيلونه ، و هم ينتعلون الأحذية الرياضية من الماركات العالمية .. من أحلام الطفولة المتواضعة زمن شقاء آبائنا .. امتلاك دراجة هوائية .. كما بعض أبناء الموسرين من أهل الحارة .. فالدراجة أو البسكليت .. هو بمثابة سيارة فارهة لدى أولاد المنعَمين .. و كان الوعد الذي قلّما يوفي به الآباء .. لتشجيع أبنائهم على الدراسة و النجاح .. فكان شراء البسكليت مشروطا بالنجاح .. أو التفوق ! .. و كان من أحلام الطفولة البائسة في تلك الأيام أن نحظى في العيد بشراء “بدلة ” أو ما يسمونة ” طقم ” .. و هو عبارة عن بنطال و جاكيت من قماش واحد صنعته أيدي أسوأ الخياطين .. و من أرخص الأقمشة ..و كنا ننتهزها فرصة لالتقاط صورة تذكارية بكاميرا رخيصة .. أبيض و أسود كذلك مما أذكره من أحلام الطفولة .. الذهاب في الرحلة المدرسية .. التي يقتضيك دفع رسومها دينارين او ثلاثة دنانير و كنا نوسط الأمهات .. لإقناع الآباء بالموافقة على الذهاب في الرحلة المدرسية ، التي كان غالبا وجهتها الأغوار أو حتى جرش ! و كنا نستعد للرحلة ، و نشتري طعامنا الذي نأخذه معنا في الرحلة ، و في أحسن الأحوال كان علبة سردين و ثلاث بيضات مسلوقة و حبات من البطاطا المسلوقة كذلك .. كنا ليلة الرحلة ، لا ننام و نحن نصحو حتى لا يفوتنا الباص .. المنتظر أمام المدرسة .. كان من أحلامنا أن نحمل مصروفا من العملة الورقية .. يعني كان امتلاكنا الدينار او الدينارين غاية المنى و الغنى .. فجيوبنا كانت أكثر اعتيادا على العملة المعدنية .. ما نسمية ” الفراطة ! ” برايز ” ابو العشرة و ” الشلن ” و القروش الحمراء .. و غالبا ما كنّا نابهين في الاقتصاد ، لعلنا أذكى من وزراء اقتصادنا هذه الأيام ! فكنّا نوفر من مصروفنا القليل و نودعه في ” أجّة ” من الفخار أو علبة حليب فارغة .. نجعل فيها شقاً .. نسقط منه ” الفكّة ” التي نوفرها .. ثم اذا احتجنا مبلغا لشراء حاجة أو شيء نترفه به ،، كسرنا تلك الأجة .. و انتفعنا بما ادخرناه .. لا أدري هل أحدثكم عن بعض رغباتنا و احلامنا الصغيرة الصغيرة كحبة الشوكلاتة الفاخرة أو البوظة المثلّجة . أو علكة السهم ..أو سندويشة مرتديلا !!! ها قد كبرنا .. و أصبحنا نحنّ للرجوع الى تلك الأحلام ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى