آية السيف / د. هاشم غرايبه

آية السيف

لما كان القرآن الكريم كلام الله وخطابه الى البشر، لذا فيعتبر أهم كتاب عرفه الناس لأنه المرجع الوحيد الباقي من الكتب السماوية الدالة على المعرفة والحقيقة المطلقة، لأن كل المعارف البشرية دقتها نسبية.
ولما كانت صياغته اللغوية في أعلى درجات البلاغة، فليس فهمه متيسرا لأغلب الناس، لذا صار لزاما الرجوع الى تفسيره من قبل من كانوا ضليعين في اللغة العربية.
لكن التفسير أحيانا لا يكفي ، فلفهم المراد يلزم التأويل.
التفسير هو بيان المعنى انطلاقا من فهم اللغة، أما التأويل فهو الإسقاط على الواقع، لذا فإن التفسير متاح لكل من فهم اللغة العربية ومعاني مفرداتها واستعمالاتها النحوية، والتأويل لا يتأتى إلا للراسخين في العلم، ومن نعمة الله أن قيّض للدين من كلي الفريقين نفرا في كل الأزمنة والعصور.
المبالغة في التحوط من الخطأ والخوف من دخول غير المؤهلين على التفسير أو التأويل، أصاب الفقه بالجمود وحجب كثيرا من آفاق الفهم المستنير، مما ناقض فكرة أن التشريعات الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، ومن الناحية الأخرى فإن الميول السياسية جعلت من اقتطاع بعض النصوص القرآنية من سياقاتها، ومن ابتداع النسخ، وسيلة لدعم بطش السلطة بمخالفيها بأدلة شرعية مُدّعاة.
بين هذين التداعيين بات الفقه في أزمة، كل طرف يشد تفسير الأحكام الى جهته.
لعل أسطع مثل يجسّد ذلك: ما حدث حينما أطلق بعض الفقهاء على الآية الخامسة من سورة التوبة مسمى آية السيف:” فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ “، وفسروها بأنها تنسخ كل آيات التسامح والتصالح مع غير المسلمين، مثل قوله تعالى: ” لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ “، و” وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ “.
الفهم غير الصحيح يتجلى في عدم تمييز أن الآيات القرآنية ليست جميعها محكمات، أي تحمل أحكام التشريع الأساسية والتي بينها عز وجل في قوله” هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ “، فبعضها ظرفية أنزلت لحالة خاصة، وهي من الآيات المتشابهات.
من الأمثلة عليها: ” وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ” أو ” فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا “، وغيرها مما أنزله الله متعلقة بحالة خاصة حدثت ولن تتكرر.
نقض المشركين للعهد عند المسجد الحرام حالة حصلت مرة واحدة في التاريخ، وجاء علاجها في الآية المذكورة، ولو لم يتم العمل بها لما قامت للإسلام دولة، وقضي بعدها على الشرك في الجزيرة الى الأبد.
إذا انتهت موجباتها، والإستدلال بها يكون في نشوء حالة مشابهة، أي نقض أعداء الإسلام لمعاهدة صلح، ولا يكون بفهم أن السيف هو الوسيلة لنشر الإسلام.
لذا ليس هنالك آية سيف، وليس نشر الإسلام إلا بالتي هي أحسن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى