مع الدولة بإصلاح وبغير إصلاح / طاهر العدوان

مع الدولة بإصلاح وبغير إصلاح

بعد عملية الكرك الإرهابية تعددت ردود الفعل بين أوساط النخب السياسية والحزبية ، منها من طالب بحكومة إنقاذ ، وذهب اخرون الى تشكيل حكومة طوارئ اما الأوساط النيابية فصبت جام غضبها على وزير الداخلية مطالبة بإقالته مع انها حرصت على توجيه الثناء على الأجهزة الأمنية والإشادة بادائها في الكرك ، وفي هذا تناقض ، فالأمن يتبع لوزارة الداخلية، له ما لها، وعليه ما عليها.
وما لم يغب عن فهم المواطنين والمراقبين من هذه الردود انها حملت الإيحاءات الى الراي العام بان هناك تقصير وارتباك قد حدث على المستويات السياسية والأمنية والإعلامية ، وهو ما تُرجم على صفحات التواصل الاجتماعي الى كم كبير من الروايات والتساؤلات ، وما فيها من غمز ولمز ، يضعف الثقة بمؤسسات الدولة الأمنية وما كان من ادائها خلال مواجهة العملية الإرهابية .
لا اعتقد بان جميع ردود الفعل هذه أخافت اوكار الارهابيين وأنزلت الرعب بين صفوفهم ، بل هي اخافت الاردنيين وبثت بينهم عدم الثقة تجاه دولتهم ومؤسساتها الأمنية . وهو ما لا أظن بان اصحاب ردود الفعل قد أرادوا منها ذلك ، بل اني واثق بانهم يريدون رفع جاهزية البلاد الشعبية والأمنية والسياسية لمواجهة هذا الخطر ، البالغ في خطورته ، الذي بليت به الشعوب العربية وغير العربية .و كان من الأصوب ، في التوقيت، ان لا تخرج ردود الفعل هذه عن لغة خطاب يدعو الى تماسك الاردنيين ووقوفهم خلف الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية ، حتى لا يتلقى الارهابيون رسائل خاطئة ، بانهم استطاعوا وبعملية واحدة ان يخلقوا أزمة ثقة باداء الدولة الى حد المطالبة بحكومة طوارئ او حكومة إنقاذ بما يعني ذلك من حل للبرلمان واعادة البلاد الى الاحكام العرفية .
( واذا كان هناك من درس يمكن للسادة النواب استخلاصه من العملية الإرهابية في الكرك وما ثار حولها من تساؤلات فهو ان يسعوا الى تكوين لجنة نيابية للامن الوطني مهمتها إلقاء الأسئلة والاستماع الى الاجوبة من المسؤولين خلف ابواب مغلقة ).
قد لا تعجبنا الحكومة ، لكنها تبقى افضل من حكومة طوارئ او حكومة إنقاذ طبيعتها ان تكون مصغرة وعرفية تتفرد بالسياسات والقرارات ,ذلك ان طبيعة المعركة ضد الارهاب تتطلب اولا التمسك بحصون الدولة القائمة ومؤسساتها ، لانها تبقى الضمانة الاولى لمنع الارهاب من تحقيق اهم أهدافه وهو عزل الشعب عن دولته تمهيدا لزرع الفوضى واشاعة الكراهية والمواجهة ، إظهار التماسك الداخلي ضروري في المواجهات .
وقد لا يعجبنا ما تم من إصلاحات خلال السنوات الخمسة الاخيرة ، إصلاحات أضعفت سلطة الحكومة وقيدت صلاحياتها ، الأمنية بشكل خاص ، الا ان هذا الضعف لا يواجه باختزال السلطة كلها في حكومة طوارئ ، انما بتعزيز تمثيل الشعب في دولته وحكومته ومؤسساتها وفي برلمانه، من خلال مواصلة الضغوط الشعبية والبرلمانية على الدولة لتصحيح عملية الاصلاح السياسي وتسريع خطواته .
حكومة الطوارئ في الدولة الحديثة هدفها جمع ارادة الشعب في الحروب او الازمات، اي جمع حزب الاغلبية المشكل للحكومة مع حزب الأقلية المعارضة لها في البرلمان ، بغير ذلك ، وفي حالتنا الاردنية ، يتغير الأشخاص وتتغير العناوين فقط بغير ضمانة على سلامة الاداء الحكومي .
الارهاب يواجه بتحصين البيئة الوطنية من خلال الاسراع في تصحيح الاصلاح الذي لم يغير شيئا ولم يحقق حياة سياسية حرة وديموقراطية تنهض بالفكر والسياسة والإعلام وتنشئ وعيا عماده الانسان الحر ،القادر على التمييز بعقله ، بين الخير والشر .
بمزيد من تعزيز حريات المواطنة والإيمان بحق الشعوب العربية في تقرير مصيرها نواجه ايضا الفكر الفاشي والمذهبي المتطرف الذي يسعى أصحابه الى اقامة مكان له بين صفوف الاردنيين ، من خلال تبييض جرائم الديكتاتورية والاستبداد باسم المقاومة والممانعة ، استبداد هو المسؤول عن الارهاب والفتن والتدمير والقتل والتهجير الذي حل بالشعب العربي السوري .
لا يكفي فقط توعية الشباب بمخاطر الارهاب الذي يتغطى بالدين ، انما ايضا من الضروري تدريس مفاهيم الحرية وحقوق الانسان والحياة الديموقراطية وواجبات المواطنة ومسؤولياتها ، والتوعية الوطنية بطبيعة النظام السياسي المنشود الذي يتلائم مع العصر ويتوافق مع كرامة البشر ، وذلك لا يكتمل الا بتحصين افكار الامة من عبادة الحكام ، واذا كانت النماذج الديموقراطية للحكم في العالم العربي نادرة حتى تقدم للشباب الاردني كأمثولة تستحق المحاكاة ، فان نماذج الحكم الاستبدادي والديكتاتورية تفرض ظلامها على الامة منذ عقود طويلة وأمثلتها حاضرة حولنا ، حاضرة بمشاهد الدمار والقتل والتهجير والتعذيب ومصادرة إنسانية الشعوب ، وبما يكفي ليكتشف الشباب الاردني ، بما وهبهم الله من وعي وسمع وبصر ، خديعة الشعارات الكبيرة التي لم تجر على الامة الا الهزائم والعبودية والذل والاحتلالات الدائمة .
امام من يطالب بحكومات الطوارئ ، وبمواجهة عشاق العبودية الذين أرادو استخدام العملية الإرهابية في الكرك للاشادة بحروب الابادة التي يشنها الأسد على شعبه ، شعبه الذي رفع شعار (سلميه سلميه) ٧ اشهر فيما أرسل جنوده وشبيحته ليستبيح اموال السوريين وأعراضهم وأرواحهم الى ان تحولوا الى لقمة سائغة بيد الارهاب والإرهابيون .. امام هولاء وهولاء ليس امام الاردنيين الا التمسك بدولتهم ان كان ذلك باصلاح او بغير اصلاح .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى