عندما ترشح السباك ..أمام الوزير !! / أمير شفيق حسانين

عندما ترشح السباك ..أمام الوزير !!

فاجئتنا أخبار الثلاثاء الماضي ، برحيل قامة من قامات العمل السياسي وهو المهندس سليمان متولي سليمان ، الذي ظل وزيراً للنقل والمواصلات منذ عام 1980 م وحتي 1999م ، أي لمدة تقارب العشرون عاماً ، كان فيها رجلاً وفيَاً ، صانعاً للإنجازات ، بإحداثه طفرة هائلة في بناء وتطوير الطرق والكباري ، وتحديث وسائل المواصلات ، وفي عهده وُضِعَ حجر الأساس لكوبري السلام ، وتم شراء القطار التوربيني ، وإنشاء أول مرحلة من مترو أنفاق حلوان رمسيس .
وُلِدَ المهندس سليمان متولي ، بقرية كفر ميت العبسي ، التابعة لمركز قويسنا ، بمحافظة المنوفية ، ولذا كان دائم الحرص علي تمثيل دائرة قويسنا برلمانياً ، لتسهيل الخدمات لأهالي قويسنا من خلال سلطاته السياسية والبرلمانية ، وقد أنشأالمسئولون “ميدان سليمان متولي ” بقويسنا ، كأحد وجوه الوفاء لنائب الدائرة الخدوم ..وبعدما إعتزل الوزير الأسبق كافة مناصبه ومسئولياته ، كان يحرص علي زيارة قريته كل موسم إنتخابي ، ليُشاركبرأيه في المرشح المناسب للتحدث عن مشكلات ومطالب أهالي الدائرة ، وقد ظل المقر الإنتخابي للوزير السابق ، بمسقط رأسه بكفر ميت العبسي لفترة طويلة من الزمن ، حيث كان يحضر من القاهرة ، بخطي أثقلتها الشيخوخة الطاغية ، بعدما كان قد بلغ من الكبر عتياً .
وفي منتصف التسعينيات ، فوجئ الوزير الراحل بظهور رجل بسيط ، ويُدعي الأسطى عبدالسلام السباك، مُعلناً ترشحه للبرلمان ضد سيادة الوزير، وكان هذا السباك من عزبة صغيرة تتبع قويسنا ، وإسمها ” الصُوَة “، وحينها أظهر السباك إصراراً شديداً على استمرار ترشُحه على مقعد العمال ضد وزير النقل والمواصلات آنذاك، رغم أن إستطلاعات الرأي في ذلك الوقت ، أكدت بالفوزالكاسحللمهندس سليمان متولي أمام جميع منافسيه بسبب علاقاته وخدماته وكثرة مُحبيه ، إضافة إلي أنه كان مُرشح الحزب الوطني الديمقراطي قبل أن ينهدم هرمه ، وتذهب به الريح العاصف ، وكان الرمز الإنتخابي للوزير، هو ” الهلال ” .
ولما عَلِمَ الوزير الأسبق بأمر السباك، أرسل إليه، ليعرف منه الدافع الشديد ، وراء ترشحه المفاجئ ضده، بالرغم من بساطة حاله وإفتقاده لأيه مناصب حيوية ، وعدم إمتلاكه لأية خبرات في العمل السياسي أو العام .. مما دفع الأسطى عبدالسلامأن يخبره بشىء من الصراحة وحُسن النية، عن أمله وحلمه بتوصيل خط تليفون أرضي لمنزله، مثله مثل باقي جيرانه بالقرية ، وأخبره بأن قرار ترشحه ضده كانت الحيلة الوحيدة ، التي إبتكرها لكي يستطيع الوصول لشخص الوزير ، فيقابله ويتحدث معه ، رغم أن السباك كان علي يقين أكيد أنه لن ينجح أمام شعبية الوزير العريضة، ولن يحصل إلا على حِفنة من الأصوات ، قد يفوق عددها أصابع اليدين بقليل .
كان الوزير يستمع وهو مُتبسم ، من اللهجة البسيطة في الحديث لسباك قويسنا، الذي عبَر عن شكواه وهمومه بلسان الفِطرة والأمانة ، وكان الوزير مُتعجباً من المطلب المتواضع لهذا الإنسان الطيب الذي زُيِنَتْ له الأمور البسيطة ، وكأنها مستحيلة المنال .. وعلى الفور أعطى الوزير الأسبق ، توصياته للمختصين بسرعة تنفيذ طلب سباك عزبة الصوة التابعة لقرية الرمالي بقويسنا، كي يُرضي رغبته، ولا يكسر أمله الضئيل في إمتلاكه لتليفون ببيته، كحق مكفول له ،مثل أي مواطن مصري .
ولكي يُسجِلالأرشيف الخدمي والسياسي لدائرة قويسنا بالمنوفية ، كواليس تلك الواقعة الظريفة التي كان طرفها، وزير منوفي خدوم ، بقامة وقيمة سليمان متولي والطرف الثاني هو إنسان بسيط في معيشته ومظهره وحرفته ، يكاد يشتكي لسان حاله من تلك المشاق التي يبذلها في صنعته كسباك ، حتى يوفر نفقات أسرته، وما كان هدفه أن يبتزْ الوزير الراحل من خلال ترشحه ليحصل على رِشوة أو مبلغاً من المال من جيب الوزير الأسبق لكي يُعلن إنسحابُه ، ولم يكن طامعاً في أن يمنحه الوزيرشقة فاخرة في حي مصر الجديدة أو جاردن سيتي، ولم يكن راغباً في توظيف أحد أبنائهفي إحدي شركات البترول بوساطة من الوزير ، وإنما كانت أقصى أمانيالأُسطي عبدالسلام، هو توصيل تليفون لداره ، ليستخدمه وقتما شاء ، ولكي يشعربأنه مواطن حي ، وله كيان وحقوقوآمال !!
amirshafik85@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى