حرب “عفرين” هل سَتكون “مِصيَدة” لتركيا أم لأمريكا؟

حرب “عفرين” هل سَتكون “مِصيَدة” لتركيا أم لأمريكا؟ وكيف نُفسِّر دَعمْ السُّلطات السوريّة المُبطَّن لهذهِ الحَرب؟ ولماذا تَمتدِح الصِّحافة التركيّة فَجأةً الجيش العربيّ السوريّ وتُطالِب بإعادة العلاقات بين أنقرة ودِمشق فَورًا وتَرى أنّ بَقاء الأسد من مَصلحة تركيا؟

عبدالباري عطوان
دَخلت الحَرب التي يَخوضها الجيش التّركي في مِنطقة “عفرين” شمال غرب سورية وريفِها يَومَها الخامِس، وباتَ من المُتوقّع أن تنتقل إلى مدينة منبج المُجاورة التي تتواجَد فيها قوّات أمريكيّة، الحَليف الدّاعم لوِحدات حِماية الشَّعب الكُرديّة التي تُسيطر على المَدينتين اللَّتين تَقعان خارِج سَيطرة الحُكومة السوريّة المَركزيّة.
شراسَة القِتال تَتصاعد، والقوّات التركيّة المَدعومة من فصائِل في الجيش السوري الحُر المُعارض تُواجِه مُقاومةً شَرِسَة، خاصّةً عندما تمتد إلى المَناطِق الجبليّة الوَعِرة، وهذا ما يُفسِّر استعانة القِيادة العَسكريّة التركيّة بقُوّات خاصّةً من شَرقْ البِلاد، صاحِبة الخِبرة الكَبيرة في هذا المَيدان، لِتَولّي مُهمّة الهُجوم على منبج ذات الطَّبيعة الجَبليّة الصَّعبة.
الصَّمت السوريّ الرسميّ، وسَحبْ روسيا قوّاتها ومُستشاريها من عفرين قبل الهُجوم التركي بأيَّامٍ مَعدودة، يُوحِيان بوجود “تفاهمات” مُسبقة مع الرئيس رجب طيب أردوغان وحُكومَتِه تَدعم الهُجوم التُّركي للقَضاء على القوّات الكُرديّة المَدعومة أمريكيًّا.
***
الرئيس أردوغان أكّد اليَوْمْ الأربعاء أنّه سَيمضي قُدمًا للهُجوم على منبج حتى لو تَطلّب الأمر الدُّخول في صِدامٍ مع القوّات الأمريكيّة، لأن هذا الهُجوم يأتي لحِماية تركيا، ومَنع تَقسيم سورية، وعدم إقامة كَيانٍ كُرديّ يَحظى بِدَعمٍ أمريكيّ.
حرب عفرين لن تُغيِّر خريطة التَّحالفات على الأرض السوريّة فقط، وإنّما خَريطة المِنطقة بأسْرِها، وأبرزها تَعزيز التَّحالف الرُّباعي السوريّ التركيّ الإيرانيّ الروسيّ، وتَعزيز الحُكومة المَركزيّة في دِمشق، وتَحقيق الاستقرار وإعادَة الإعمار.
من يُتابِع افتتاحيّات الصُّحف التركيّة المُوالية للحِزب الحاكِم (العدالة والتنمية)، يَخرج بالانطباع السّالف الذِّكر، ويَتوصّل إلى قناعَةٍ راسِخةٍ، بأنّ الرئيس أروغان قد يُغيّر سِياساته بأكثر من 180 درجة، خاصّةً بعد “أن وصلت سِكّين التّهديد لأمنْ تركيا ووِحدة أراضيها إلى العَظمْ” حَسبْ تَعبيره.
فعِندما يَكتُب محمد تازكان مقالاً في صحيفة “ملليت” القَريبة من الحُكومة يُطالب فيه الدُّول الأربع (واشنطن، موسكو، أنقرة، طِهران) التي لها قُوّات على الأرض السوريّة، بإيجاد “حَلْ سِياسي” يَرْتَكِز على “قَناعةٍ راسِخة” مَفادها أن هُناك جَيشًا واحِدًا يُمكن أن يُحافظ على وِحدة الأراضي السوريّة هو الجيش العربيّ السوريّ”.
ويُضيف “أن مُهمّة القضاء على الإرهاب لا يُمكن أن يُحقّقها إلا الجيش السوري الذي يَجبْ أن يُسيطر على كُل الأراضي السوريّة.. الحَلْ هو في يَدْ الدِّيكتاتور السّوري لسُوء الحَظْ.. وقُوّات المُعارضة السوريّة فَشلِت في الإطاحة بِه.. هذهِ هي الحقيقة المُرّة التي يَجب علينا تَقبّلها ونَقولها بكُل أسف”.
مُعظَم كُتّاب الافتتاحيات في الصِّحافة التركيّة المُوالية للرئيس أردوغان، إن لم يَكن كلهم، غَيّروا نَغمتهم في الأيّام الثلاثة الماضية، وباتَت مَقالاتهم تُؤكّد أنّه في ظِل تهديدات وَحدات الحِماية الشعبيّة الكُرديّة بات بقاء الرئيس الأسد “مَصلحة تُركيّة”، و”لذلك لا بُد من إقامة علاقات بين أنقرة ودِمشق فَورًا لأن هذهِ الخُطوة حَتميّة إذا أردنا الحِفاظ على أمن تركيا”، مِثلما كَتب طه عيكول في صحيفة “حرييت” النَّاطِقة باسم الحُكومة صباح اليَوْمْ الأربعاء.
نحن نُدرك جيّدًا، ومن خِلال خِبرة بالإعلام التركي، أن مِثل هذهِ المقالات الافتتاحيّة لا يُمكن أن تتصدّر الصُّحف إلا بإيعاز من السُّلطة التركيّة الحاكِمة، فصحيفة “حرييت” ليست “النيويورك تايمز″ وشقيقة “ملليت” ليست “الغارديان” البريطانيّة وإن كان لنا بعض التحفّظات على الجَريدتين، وعندما تَدخُل البِلاد الحَربْ فعَلى الجميع الوقوف خَلفْ الحُكومة، فهذهِ حَرب تركيا وليست حرب أردوغان، مِثلما يُؤكِّد مُعظَم الكُتّاب.
حتى بَعض الصُّحف التركيّة المُعارضة باتت تَسير على الخَط نفسه، فالسيد باريس باركادوس مُقدّم أحد البرامِج السياسيّة في مَحطّة “كرال”، والنّائب في حزب الشّعب الجُمهوري المُعارِض، وَصل بِه الأمر إلى درجة المُطالبة “بإطلاق النَّار على مُعارِضي عمليّة عفرين الحَربيّة حتى لو كانوا من الصِّحافيين أو النوّاب في البَرلمان، لأن المُعارضة هُنا خِيانة”.
في الجانِب السّوري أيضًا بَدأ المُقرّبون من الحُكومة في دِمشق يُغيّرون لَهجتهم أيضًا، ليس بِصُورةٍ إيجابيّة تُجاه تركيا فقط، وإنّما بصُورةٍ سلبيّة جِدًّا ضِد وَحدات حِماية الشّعب الكُرديّة التي تُشكّل عِماد قوّات سورية الديمقراطيّة التي تُريدها الولايات المتحدة العمود الفِقري لجَيش الدّولة الكُرديّة التي تُريد قِيامها في شَمال سورية.
***
ضَيف سوري من شمال غرب سورية، شاركتْ مَعه في حلقةٍ نقاشيّة على شاشة قناة “الميادين” قبل يَومين، ويُوصف بأنّه خبير أكاديمي استراتيجي، اعتذر عن ذِكر اسْمه لأنّني لم أستأذِنه، أكّد أن عفرين ومنبج أراضٍ سُوريّة مُحتلّة من قِبل قوّات الحِماية الكُرديّة، ومَمنوع على السّوريين دُخولها إلا بتصريح، وعلى ضَمانة كفيل كُردي، وأكّد أنّه، والحُكومة السوريّة تَدعمان التدخّل التّركي العَسكري فيها، والقَضاء على سَيطرة ما أسماه بالعِصابات الكُرديّة عليهما، وبِما يُؤدّي إلى عَودَتهِما إلى السِّيادة السوريّة في نِهاية المَطاف.
لا نَعرفْ ما إذا كانت الحَربْ التي أشعلها الرئيس أردوغان في عفرين ستكون مِصيدة لاستنزاف تركيا أم الولايات المتحدة الأمريكيّة وحُلفائها الأكراد المُسلّحين، ولكن ما نَعرفه، وشِبه مُتأكّدين مِنه، أنّها سَتُقرّب بين أنقرة ودِمشق بِرعاية روسيّة إيرانيّة الأمر الذي قد يُحدِث انقلابًا في كُل المُعادلات السياسيّة والعَسكريّة في المِنطقة، وأنّ هذهِ الحَرب ستَخسرها أمريكا مِثلما خَسرت كُل حُروبِها الأخيرة في المِنطقة.. والأيَّام بَيْننا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى