الصابونة و التعديل / عبد الفتاح طوقان

الصابونة و التعديل

لم تأت الامثال العامية و الشعبية و قفشات الشعب المصري ، من فراغ ، و انما اتت تعبيرا عن الانتقاد الساخر لواقع اليم و معاناة كبيرة، وهو ما ينطبق علي التعديل الحكومي الاخير الهزيل في الاردن و الذي ضرب الشعب “بوكس” تحت الحزام و لم يراع ذرة واحده من “قرف الشعب من الحكومة و افعالها و تخبطها “.

و المثل المصري هنا ينطبق عليها “ اديك بوكس اخليك صابونة لوكس “ ، و كلمة “اديك “ بالعامية المصرية تعني “اعطيك او امنحك.” و “الصابونة” تعبير مباشر عن “التجاهل و الازدراء” يقصد به “ الزحلقة “ .

و فعلا هذا ما فعلته الحكومة التي ضربت الشعب ضربة قاضية بالتعديل الاخير الذي حسب قوله تعالي ( لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ )، و لا يعود علي الوطن بشيء متجاهله حالة الفوران و السخونة في الساحة.

مقالات ذات صلة

و يستغرب الكثيرون من خلال مراسلات علي الواتس اب و فيس بوك مما حدث واصفين التعديل بالتهريج السياسي ، منطلقين و مستفسرين عن ما هي الاسس التي بني عليها الخروج من و الدخول الي الوزارة ؟ ، و التي “حللها مفتي الوزارة الخفي “ بآنها تمت علي اساس :“ جاء التعديل عقب تقييم أداء وانجازات جميع الوزراء ونشاط وزاراتهم “. انتهي الاقتباس عن لسان رئيس الحكومة الدكتور هاني الملقي.

لو كانت الحكومة صادقة (قولا و فعلا ) ، و تطبق مبدأ الديمقراطية و الشفافية التي تدعيها ، فأنها مطالبة أن تضع امام مجلس النواب تقريرها عن تقصير الوزراء والوزارات الخارجين و انجازات من بقي في الوزارة و ماهي قدرات و انجازات من اضيفوا اليها في التعديل . و ما هي اسس احضارهم ، من هم و كيف اتوا و ماذا لديهم؟ و الاهم من الذي قيم ؟.

و عند الحديث عن تقصير يجب المقارنة بالخطة الاصلية ، أن وجدت ، و ما هو كان متوقعا من الوزراء لم يفعلوه ، و ما هي مؤشرات الاداء التي اعتمدت في القياس؟.

و لم تكتف الحكومة بالصابونة اللوكس ، علما أن هناك الكثيرون ممن يطالبون برحيلها سواء مواطنين بسطاء و سياسيين و نقابات و نواب و رجال اعمال و غيرهم و من هم ايضا في قمة السلطة ، و رغم أنه من المتوقع ان ترحل الحكومة مع العيد و هذا ليس مستبعدا بتاتا بل احتمالية قوية ، وانما ذادت الحكومة الطينة بله في غيها السياسي و اضافت الي “البوكس” طريقا مغايرا للتوجهات و المطالب النيابية و الشعبية و طبقت مثلا مصريا اخر و هو “اديك شلوط تروح اسيوط” . اي تمادت في المرواغة و الاستهتار و تجاهل مطالب الامة.

و المعني انها اخرجت وزراء بشلوط ارسلتهم وراء الشمس حيث كان من المفترض ان يبقوا ، و ابقت وزراء مقصرين كان من المفترض ان يرحلوا ، و في الحالتين لم تقدم اي من اسباب مقنعة و حقيقية ادت الي التعديل ، ولا اي من اسباب التوزير لمن اتي في عربة “ حنطور” الرئيس السياسية ، و ظهرت مجددا اكثر تفكيكا ، و سمة الحضور ان بعض من الوزراء لا يملك شيئا يقدمه . مما يضيف مثلا اخرا و هو “ جاء يكحلها عماها “.

و بهذا الفعل فقد ضربت الحكومة الشعب “ شلوطا” جعله يذهب الي ابعد نقطة و التي هي في المثل كناية عن مدينة اسيوط تلك المدينة المصرية في وسط الصعيد التي تبعد عن العاصمة القاهرة وعن الميناء الاسكندرية ، اي انها اطاحت بآمل الشعب و حاصرته في ابعد نقطة .

و حيث أن الحكومة في افعالها و مراجعاتها “النفسية “ تعامل الشعب من منطلق انه “ لا يستحق “ اي تقدير او اهتمام ، و لا تنصاع لرغبات الشعب و اماله ، لذا فأن الشعب مضطر أن ينظر لها بنفس طريقتها تحت نظرية “الصابون “ متخذا من المثل المصري “ لا تهدر وقتك مع من لا يستحق و اديله صابونة لوكس” ، اساسا للمطالبه برحيل الحكومة حتي لا يهدر المزيد من وقت الوطن و الشعب.

و اعود الي التجربة النقدية الساخرة للسياسة المصرية حيث أن “قلادة النيل العظمى “و التي هي أرفع درجة تكريم مصرية، وتمنح للأشخاص الذين قدموا إسهاما مميزا يؤثر علي حياة المصريين، وتمنح لرؤساء الدول والمصريين فائقي التميز ، فقد اصبحت عرفا في النقد الساخر السياسي خلال السنوات الاخيرة تعني حسب ما يكتب و يقال : “ قلادة النيل معناها اديله صابونة بس بطريقة دبلوماسية “ . و القصد التخلص من المسؤول بطرده الادبي عن طريق التكريم .

و هنا قد يكون منح “وسام التميز من الدرجة الاولي “ لرئيس الحكومة مع مجموعة اوسمة اخري للطاقم الوزاري هو افضل و اجدي ما يقدم للحكومة لاخراجها دبلوماسيا ، و اقصد أن اقول لرئيس الحكومة “ارحل “.

اذن الحكومة الاردنية الحالية استخدمت سياسة “الصابونة “ علي الشعب الاردني الطيب الذي استحملها هي و اخطائها و تجاريها الفاشلة ، و اذا كان في مبدآ السياسة و الاعراف الدبلوماسية المعاملة بالمثل فلا بد ان يعطي الشعب “ الصابونة “ للحكومة علها تتزحلق و تخرج من حلبة التزلج السياسي .

ويقولون ايضا في الأمثال الشعبية “اغسل يدك منه” أو “فلان غاسل يدي منه،” ويضيفون ابيات من الشعر منها ما قاله الشاعر القطري محمد بن فطيس مؤخرا:

“غاسل ٍ كفـي” مـن مصافحـة بعـض اليديـن

وقافـل ٍ بوجيـه اهلهـا صنـاديـق البـريـد

وشايف ٍ شي ٍ لـي اعـوام مالـي فيـه عيـن

وقاطـع ٍ خيـط الهقـاوي بسكـيـن الوكـيـد

و يري البعض ان افضل ما ينطبق علي الحكومة و رئيسها بعد التعديل الثالث هو “ اغسل يدك منه بصابون ممسك.” و هذا المثل من أكثر الامثال استشهادا في حال اليأس من خيره المسؤول ، و الحل الناجع هو قطع العلاقة بأن ترحل عن المسرح السياسي ، مثلما يقطع العامل علاقته بالعمل ويزيل أثره، وهو تشبيه مكتمل في كل جوانبه.

في الاردن قد نحتاج مع الحكومة الحالية الي “كلوركس الوان “ و (جردل) سطل رمل حيث “الصابونة “ قد لا تكفي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى