التعديل الحكومي / عبد الفتاح طوقان

التعديل الحكومي

لم استغرب نهائيا من التعديل الذي جري مؤخرا والذي لا يقدم او يؤخر، ولن يقدم او يؤخر، فهو حتى ليس مجرد وخز ابر في جسد مريض، لقد اتي بلا معنى و بلا مبرر و بلا أي خطة، بل ما زاد الطين بلة تصريح لرئيس لحكومة فور التعديل:” ننتظر خطاب الملك لإضافة التوجيهات تضمنيها خطة عمل الحكومة”. هذا التصريح ابسط تفسير له يتطابق مع المثل:” جيبتك يا عبد المعين تعيني لقيتك يا عبد المعين عايز تتعان”.
.

عموما يعد التعديل، مثل أي تعديل قام به أي من موظفي الحكومة السابقين خلال العشرين عاما الماضية، ممن حملوا لقب كبير الموظفين في الرئاسة ،بلا أي إضافة تذكر، مجرد تبديل منطقة بمنطقة و حصة بحصة من جغرافيا الوطن المنهك.

وبالتعديل الذي حدث والذي هو من أقدم الطرق والأساليب التي استخدمت للمحاصصة و الإرضاءات بعيدا عن علاج العديد من الأمراض السياسية و الاقتصادية، أندرج التعديل الكسيح تحت مفهوم الطي الوزاري لمشاكل دون علاجها باستخدام وتدوير وزراء سابقين والذي يتم من خلالهم إدخال ابر ممتلئة بالماء و ليس بمحاليل طبية لانعاش ولو مؤقت في نقاط محددة من الجسم المريض لتعمل على تحفيز إفرازات إصلاحية معينة. مجرد ابر إعلامية هلامية، مما تساهم في قتل امل المريض وعدم شفائه. ولعل من اهم ما وصف التعديل هو العنوان الرئيس لاحد صحف الكويت الذي كتبت عنه تحت عنوان ” خروج بسمة ودخول بسمة” نسبة الي أسماء السيدات التي خرجن ودخلن ممن يحملن الاسم ذاته، طبعا كل التعديل ليس به أي بسمه سياسية او مجرد امل. اقتصادي

مقالات ذات صلة

ومما يجدر ذكره أن طريقة الاختيار هذه تخلو من استعمال أي خبير او مفكر او منقذ وطني أو مواطن من خارج الجسم الفاسد الذي أوصل البلاد الي تلك الحالة، لا يوجد خطة او مشروع يحمله بعض ممن دخلوا يمكن الحديث عنها او الاطلاع على مكوناتها.

ويعد هذا التعديل، رغم ادخال بعض من ذو كفاءة عالية مثل وزير المياه والعدل، نظراً لكونهم أصحاب سابقة خبرة حكومية مهنية في نفس المواقع، يتوقع ان يقدموا نتائج جيدة وسريعة في وزارتهما من دون اللجوء الى الدواء المسوم ومضاعفاته الكثيرة، ولكن القضية ليست هنا فقط بل تمتد الي ابعد من ذلك.

الموضوع يتلخص في البحث عن دولة لها مستقبل غير الدولة التي اضعفتها حكومات متتالية مهترئة وضغوطات شرقية وغربية وأصحاب الاجندات المنقوصة، كذب بعضها على الشعب ونافق على حساب المصلحة الوطنية في سبيل البقاء في سدة الحكم. ويبقي من اهم المواضيع تطبيق الدستور الأردني واعادته الي اصله بعد ان بترت اطرافه بمنشار مجالس لا تمثل الشعب ، إيقاف حالات الفساد بعد ان سرقت مليارات وهربت تحت اعين السلطات و بعلمها، جلب الفاسدين ومحاكمتهم عوضا عن حمايتهم ومشاركتهم عالية القوم من الساسة، إعادة الحقوق الي العشائر الأردنية التي تم التعدي عليها وعلي احقيتها في الأرض والمنصب والتعليم والثروة وغيرها، حل المشاكل الاقتصادية و المديونية والافراج عن أسبابها و عن ضياع أموال الخصخصة و اين ذهبت ، حرية الاعلام و الانتقاد دون قيود و مسائلة ، إيقاف تهديد الكتاب و مصادرة حقوق الآراء و عدم اغلاق منابع الرأي، رفع أسماء المطلوبين بسبب كتاباتهم و آرائهم و مواقفهم من الحدود ( أن صح ما يشاع ووجد) والسماح لهم بحرية الحركة والادلاء بآرائهم ، الولاية العامة و إعادة حق الوزراء في إدارة وزاراتهم واقصد الداخلية و الخارجية والدفاع والاعلام تحديدا، ناهيك عن مواضيع الفقر والبطالة .

اما قضية ان التعديل اتي لتقليص المصاريف وترشيد الانفاق بدمج الوزارات، فهذا لا يتعدى مبلغ ألف دينار سنوي من الرواتب وقيمتها ووزنا مقارنه بأكثر من ثلاثين مليار دينار ديون، وفوائد ديون بمقدار ستمائة مليون دينار سنويا يشابه من يريد ان يرفع من المحيط قشة باعتبار انها سبب الأمواج التي تهدد السفن العملاقة وثلاثة ارباع الكرة الأرضية حجما.

مجددا انه تعديل غير موفق، خصوصا مع غياب فريق اقتصادي، مع بقاء خمسة عشر وزير تأزيم من حكومة الرئيس المطرود شعبيا د. هاني الملقي و الذي كان من طاقمها رئيس الحكومة د. الرزاز نفسه.
ابسط طرق اختيار الوزراء التي اقترحها هنا ، تكمن في مائه و عشرين دقيقة، أي ساعتين مع المرشح للمنصب، حيث بعد الاطلاع علي سيرته الذاتية و خبراته التي يقتنع بها رئيس الوزراء، هو ان يكتب امام رئيس الحكومة في مده نص ساعه عن احد حلول مقترحة لإنقاذ الأردن من وضع معين ، يتم وضع الحالة (دون علم الوزير) والمقترح ودون معرفته مثل أي امتحان ، و ان يحلل اجابته مختصون و خبراء للحكم علي قدراته و أفكاره و تقييمه.

ثم يقدم في نصف ساعه اخري ثمان ورقات (Power presentation( ) عن خبراته، خطته ، ما قدم من حلول لمشاكل مستعصية ، طرق مواجهته للكوارث، مواهبه في التواصل، خبراته الدولية ، و حلوله المقترحة بحضور الملك ، و بعدها ساعة مناقشة يحضرها رئيس مجلس النواب و الاعيان.

أي ان اختيار الوزير ، في غياب الأحزاب و البرامج ، لا بد ان يتم مثل اختيار أي مدير لمشروع ضخم بمئات الملايين. حيث الخبرات والكفاءة الشخصية والإدارية تلعب الدور الرئيس في الاختيار. ويا حبذا ان يكون ذلك مسجلا حيت يتم العودة اليه.

أن حكومة من ثلاثين وزير، يتم ترشيح ثلاثة لكل وزارة، نتحدث هنا عن تسعين شخص مضروبا في ساعتين، أي مائه وثمانين ساعة، مائه وثمانين حلا ومقترحا، يمكن اخراج حكومة خلال عشرة أيام مقنعة الي حد ما لحياة ومستقبل أفضل.

هذه ما يسمي علميا “الخلوة الذهنية ” بعكس الخلوات التي تمت وكانت كلها مناسف ومسخن وتوصيات امنية.

وحينها يمكن لمجلس النواب ان يناقش عمليا وعلميا ويطرح التصويت على الأفكار وما يطرح والتصويت على الخطط لا علي المناطق و المحاصصة و العلافة الخاصة، فلم يعد الوطن يحتمل الهرج اكثر من ذلك.

نبحث عن حكومة فعلية تعين الملك لا عبئا عليه، وهي الحكومة القادمة المتوقع تشكيلها مع نهاية العام والتي معها سيرحل الطاقم الحالي بما حمل بمجمله، ان لم يواجه الطرد الجامعي مثلما حدث مع الحكومة التي سبقتها لان الشعب يعان ولم يعتد يحتمل.

الحكومة منذ تشكيلها لم تأت بالبسمة الا في مسمي وزيره واخرجتها في التعديل، واضافت استدماعٌ الشعب وعدم اعتباره, وبات التجهم والعُبوس سمة المرحلة، مما يؤشر بحراك قادم.
.

aftoukan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى