يلتسين المدمن وبوتين المؤمن / م . عبدالكريم أبو زنيمه

يلتسين المدمن وبوتين المؤمن
يحدثنا التاريخ الكثير عن القادة الذين صنعوا الأمجاد وبنوا الأوطان ونهضوا يشعوبهم وكذلك عن الذين مسخوا التاريخ وهدموا أوطانهم واذلّوا شعوبهم ،فالتاريخ زاخر وهنا نستذكر أجدادنا الذين آمنوا بعقيدتهم وتحدّوا الأهوال والصعاب بإرادتهم وعزيمتهم وشيدوا الحضارة الإسلامية والعزة والمجد ومنارات العلم في بلاد الأندلس ونستذكر أجدادنا أيضاً في تلك البلاد الذين أدمنوا الخمر وارتكبوا الموبقات وتاهوا في ملذاتهم حتى هدموا تلك الحضارة وأضاعوها وآخر العهد بهم ما قالته الأميرة عائشة لابنها الخليفة أبو عبدالله الصغير آخر ملوك العرب في الأندلس الذي كان مدمنا للخمر واللهو :
إبكِ مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.
لن أغوص عميقاً في التاريخ ولكني سأعود لعقدين من الزمن عندما انهار الإتحاد السوفياتي وتفككت دوله وتسلم بوريس يلتسين السلطة في روسيا عام 1991، هذا الحاكم المدمن وبدلا من أن يلتفت إلى دولته ويهتم ببنائها والعناية بشعبه أحاط نفسه بشلة من اللصوص والعصابات الذين عاثوا فيها نهبا وسلباً وأسسوا فيها إمبراطوريات المافيا التي أرعبت العالم وباعت كل أملاك الدولة من قصور وممتلكات ومعادن نفيسة ولوحات فنية وأستوردوا كل سموم العالم ليطعموه للشعب الروسي ووصل الأمربالجنود أنهم باعوا المعدات العسكرية في السوق السوداء وخوت الأسواق الروسية من كل شيء حتى سادت شريعة الغاب فيها ، هذا القائد المدمن لم يسأل عصابته عن شي سوى توفير الأموال له ولعائلته وكذلك تهيئة أجواء سكره ولهوه ،في تلك الحقبة أطلق الشعب الروسي عليه وعلى حكومته عصابة علي بابا والاربعين حرامي .
في تلك الحقبة كان هناك من يراقب الوضع في روسيا ويتحين الفرصة للإستيلاء على السلطة ليس حبا فيها ولكن حبا وإيماناً بروسيا وتاريخها وعظمتها حتى أصبح نائباً للرئيس ومن ثم أجبر يلتسين على تقديم استقالته وتولى شؤون إدارة البلاد عام 1999م ومن ثم أنتخب رئيساً لروسيا في شهر آذار عام 2000م ذلك هو الزعيم والقائد فلادمير بوتين ،هذا الزعيم المؤمن بوطنه وتاريخه وحضارته لم يحنث بالقسم العسكري الذي أقسمه بالمحافظة على روسيا وصيانتها وحمايتها لم ينضم لعصابة علي بابا ولكنه انحاز لروسيا وشعبها ومجدها .
سنوات قليلة من حكمه حتى تخلّصت روسيا من عصابات المافيا وأعاد الاموال والممتلكات المنهوبة وساد الأمن والأمان في كافة ربوع روسيا وها هي اليوم تعيد حتى التوازن الجيوسياسي العالمي بالرغم من كل محاولات الغرب الاستعماري للحد من طموحاته ،وللتذكير فقط فان راتبه السنوي لا يتجاوز (300) ألف دولار ،هذا الزعيم الملم بكل التفاصيل العالمية لم ينشغل عن أبسط الظروف المعيشية للمواطن الروسي وهو الذي ذهب بنفسه بعيداً عن الكاميرات لولا أن قام شخص ما بتصوير المشهد على جواله ليسلم سند تسجيل لامرأة ريفية أقامت منزل لها على قطعة ارض للبلدية وأنذرتها البلدية بأخلائه..حينها قال جملته المشهورة”عندما سطا اللصوص على القصور واملاك الدولة لم تخالفوهم..أما هذه المسكينة تخالفونها”
لا يتسع المقال ولا المجلدات للحديث عن القادة الزعماء ولكن لا بد من الإشارة الى ما قاله الزعيم “لي كوان يو” مؤسس سنغافوره الذي أنتشلها من ذروة الفساد والتخلف والانحطاط وجعل من دخل المواطن فيها الأعلى في العالم وهي المعدمة من أي موارد طبيعية حيث قال “نختلف عن دول العالم الثالث بأننا نحارب الفساد من قمة الهرم وهم يمسكون اللصوص الصغار ولا يقتربون من المفسدين الكبار”
aboznemah@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى