مشروع شهيد

مقال الأحد 18-6-2017
النص الأصلي
مشروع شهيد
حاسب سائق الكيا “ديناراً” ورقياً ملفوفا على شكل سيجارة ثم ترجّل من أمام المبنى، نظر إلى العلم الذي يرفرف فوق “بيت الدرج” ثم نظر إلى “الآرمة” ليتأكد من المكان ،أوقفه الشرطي الذي يقف أمام كوخه الصغير وسأله عن وجهته فقال متمتماً “بدي أشوف معاليه” سأله إن كان لديه أي موعد مسبق فغمزه بثقة أنه من “العمومه” فسمح له أن يدخل المبنى.
استقل المصعد بعد أن ضغط على كل الأزرار المتاحة وعندما وصل إلى مكتب مدير مكتب معاليه حيث درجة الحرارة هناك أقل من معدّلها السنوي في كانون ثاني كدليل على كفاءة التكييف طلب أبو يحيى من مدير المكتب أن يسمح له بمقابلة معالي الوزير ، فأعاد عليه نفس السؤال : في موعد مسبق؟ قال له: أنا من أعمامه..رفع مدير المكتب سماعة الهاتف الأرضي وطلب السكرتيرة الثالثة وشرح لها أن شخصاً مسنّاً تبدو عليه علامات الوقار يطلب مقابلة معاليه..السكرتيرة الثالثة طلبت مهلة من الوقت حتى تقوم بالتدقيق مع السكرتيرة الثانية ، السكرتيرة الثانية بدورها طلبت مهلة حتى تتثبت من السكرتيرة الأولى ، الأولى طلبت مهلة حتى تتأكد من معاليه ان كان مشغولاً مع أحد الزوّار أو يجري مكالمة هاتفية تقتضي خلوته مع نفسه..أخيراً سمحوا له بالدخول وكلما دخل مكتباً نزلت الحرارة درجتين وبدأت البرودة الاصطناعية تتسلل إلى عظامه رغم حرارة حزيران..استقبلته السكرتيرة الأولى بابتسامة صفراء وقالت له : تفضّل كيف ممكن أساعد؟؟ فأخبرها برغبته بمقابلة معاليه شخصياً..أرجعت السكرتيرة خصلة شعرها الشقراء خلف أذنها وقالت له : بس عمّوه مشان تكون بالصورة وظايف ما في بأمر من رئس الحكومة..تبسّم أبو يحيى وهزّ رأسه: بالنسبة لي عموه “طوقعت” عدم المؤاخذة ما ظل بالعمر قد ما مضى ،أما اذا بتقصدي أولادي..أخذوا الطريق من قصيرها وعرفوا مكانتهم بالدولة واحد بيشتغل بكشك قهوة والثاني “بصفّط” بضاعة بسوبر ماركت..ارتاحت قليلاً السكرتيرة ورمت نصف الحمل وبقي نصف الآخر وقالت : كمان إعفاءات طبية مش من عندنا بأمر الرئيس يا من الديوان او مكتب الرئاسة ..تبسم ثانية أبو يحيى وقال: حافظين الدرس عموه..صحتي الحمد لله مثل البُمّ…انا جاي بشغلة تفيد معاليه مش تضرّه..فأذنت له بالدخول..
فتحت الباب لأبي يحيى ،كان المكتب واسعاً جداً، في أرجائه أكثر من طقم كنب مصنوعة من الجلد بعضها أبيض اللون والآخر مشمشي هادىء ، وطاولة عريضة جداً في صدر المكتب يجلس معاليه خلفها وثمة إنارة شهية تطل من خلف الجبصين المعلق والأسقف المستعارة،وصور عديدة لمعاليه وهو يؤدي اليمين الدستوري أثناء توليه لمختلف الحقائب والمناصب وزيراً وسفيراً ومندوباً خاصاً وصور أخرى وهو يقف إلى جانب قيادات عربية وأجنبية بالإضافة إلى صورته مع قائد البلاد…
خاطب الوزير الضيف وهو يرمقه من تحت النظارة النازلة إلى أرنبة أنفه..
-الوزير: أهلين تفضل..
– أبو يحيى: يزيد فضلك..
لم يبادر الوزير بالوقوف ولم يبادر أبو يحيى بالسلام مصافحة وجلس الأخير على الكرسي المتاح أمام الطاولة..
– الوزير: تفضّل..
– أبو يحيى: لما استشهد الشهيد معاذ الكساسبة طلع رئيس وزراء وقال كل أولادنا مشاريع شهداء ،طبعاً معاليك بتعرف انه ابن دولته كان معين مستشار قانوني هناااااك بتعرف وين.. “الله يخليله اياه يا رب” ،كمان أولاده وبناته كلهم من زمان معينين بمراكز مهمة يعني مش مشاريع شهدا ..وزي ما بتسمع وبتشوف معاليك كل ما يصير شغله بالبلد بطلع مسؤول وبيقول أولادنا مشاريع شهداء..رغم انه أولادهم مشاريع وزرا ..أو سفرا..أو اللي حظه نايم منهم بيكون مستشار عند دولته..
– الوزير: أيوه..
– أبو يحيى: أول مبارح قال واحد من هالوزار السابقين انه مشروع شهيد مع إنه كان وزير وسفير وهسع عين..فقلت لويش طولها وقرونها يا ولد خير البر عاجله..
– الوزير: شو بدك تحكي خلصني..
– أبو يحيى يخرج من جيبه ورقه طويلة مكتوبة بخط اليد تحمل أكثر من سبعين اسماً رباعياً: يعني بما إنكم كلكم مشاريع شهداء قلت لويش أروح ع الشباب حرس الحدود او الدرك او القوات الخاصة او المخابرات واللي بيحرسوا السفارات عشان أعتبرهم مشاريع شهدا..قلت آجي لعند معالي سعادة دولتك أقرب ، بما انك أنت كمان مشروع شهيد..هاي أسماء 70من قرايبي عشان تشفع لنا يوم القيامة لا استشهدت على خير وهداة بال…والمثل بيقول “رافق السعيد تسعد..يعني أروح ع العسكر المساكين عشان يشفعوا لي وانت موجود؟؟!….حبيت الشفاعة منك ورحمة أمي …شو قلت يا معالي “الشهيد”؟! أمانة تقول :تمّ ولا تفشّلني!

احمد حسن الزعبي
ahmealzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى