مسؤولون عاقون / سهير جرادات

مسؤولون عاقون
سهير جرادات

كم سمعنا في هذه الحياة عن قصص واقعية يندى لها الجبين عن أبناء عقوا والديهم ، الذين قدموا لهم الغالي والرخيص ، لا بل ما يفوق قدراتهم وإمكانياتهم وطاقاتهم، ليوفروا لهم سبل العيش الكريم،وتربيتهم وتسليحهم بالعلم والمعرفة، رغم ظروفهم الصعبة والمعضلات والمشاكل التي يواجهونها؛ ليسهلوا عليهم مسيرة حياتهم ، من خلال توفير الأمن والآمان والاستقرار ، والأهم من ذلك كله سعي الأهل الدؤوب لإشعاعة جو من المحبة والألفة، تُعينهم على تخطي الصعاب؛ ليتمكنوا من شق طريقهم نحو التقدم والثبات وتحقيق الذات ، إلا أنه ومع كل الأسف، فإن هؤلاء الأبناء قابلوا ذويهم بالعقوق ونكران الجميل.

في وقتنا الحاضر ، لم يعد العقوق مقتصرا أو حكرا على الأبناء ، فقدخرج من نطاق المؤسسة الأسرية، ليتوسع بطريقة وصل فيها إلى بعض فئات المجتمع ومؤسساته وصفوف بعض المسؤولين ، فشهدنا أبناءً عاقين، لكن هذه المرة كان العقوق اتجاه الوطن ومؤسساته التي رعتهم،واتجاه مسؤولين قدموا لهم الرعاية والحماية ومنحوهم أكثر مما يستحقون ، فنجدهم فور تركهم لمقاعد المسؤولية أو حتى “وضعهم على الرف”، لفترة بسيطة لا يتحملون ،فيبدؤون “الطخ” على الوطن وقوانينه والنهج المتبع به ، ولا تتوقف الامور عند ذلك ، بل تصل إلى حد كشف وفضح الأسرار، ونشر غسيلهم القذر ، وسرد التفاصيل حول قضايا أو قصص حدثت معهم لمجرد الاختلاف أو ترك الجهات الراعية والداعمة لأبنائها التابعين لهؤلاء المفسدين من المسؤولين، فتبدأ سلسلة المكاشفات لما كان في طي الكتمان لفترة سابقة .

هؤلاء الأبناء العاقون هم أبناء غير شرعيين لهؤلاء المسؤولين الفاسدين الذين ينتسبون لهم ، يُنفذون أوامرهم رغم عدم وجود رابط دم بينهم ، إلا رابط المنفعة وتبادل المصالح ، فتجدهم مدللين يتنقلون من مكان إلى آخر في تولي المناصب ويتلقون الأعطيات ، لتصل الأمور إلى حد إصدار تعيين بحق أحد المسؤولين في ستة تعيينات في بحر عام واحد ، وغيرهم نجدهم لسنوات طويلة يتنقلون بين الكراسي والمناصب، وكأن المواقع ملك لهم يعيثون فيها فسادا كما يشاءون ، فقط لأنهم أعوان لهؤلاء المسؤولين الفاسدين، الذين أحكموا قبضتهم عليهم، ليضمنوا فرض نفوذهم واستمراره لفترات أطول ، لكنهم لم يحسبوا حساب انقلاب هؤلاء الأعوان فور انقطاع العطايا المتمثلة بالمناصب والعطايا المالية وبعض المصالح ، ليتحولوا إلى أبناء عاقين .

مقالات ذات صلة

إن هذا يقودنا إلى تفسير سبب انتهاجهم لسلوك العقوق ، خاصة أنه لا يوجد مبرر لعقوقهم سوى أنهم في الأصل يمتلكون شخصيات متمردة وأنانية ومهزوزة ، لذا فهم مستعدون للتمرد ولديهم قابلية للعقوق ، لاعتقادهم أنهم مظلومون ومضطهدون لمجرد أنهم حرموا من حقوق هي أصلا ليست حقا لهم ، وأخذوها بغير وجه حق ، لمجرد أنهم أصحاب حظوة لدى هؤلاء المسؤولين، الذين ينتهجون الفساد في حياتهم ، وفي النهاية ستكون النتيجة ما يُعرف ب ” عقوق المسؤولين” من أصحاب التصريحات النارية ضد سياسة الحكومات ، وإلقاء القنابل من الوزن الثقيل بوجه المسؤولين الحكوميين .

إلى متى سيبقى الوطن يعاني من عقوق أبنائه المسؤولين، وتلك الزمر من الأبناء العاقين التابعين لهؤلاء المسؤولين ؟!..

على هؤلاء الأبناء العاقين الذين ضلوا طريقهم ، واتخذوا من الفساد مسلكا لهم ، أن يعودوا إلى رشدهم وصوابهم ، فالوطن لا يستحق منهم كل هذا العقوق .. وعليهم أن يعلموا أن للأردن رب يحميه ورجال أوفياء يدافعون عنه .
Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى