عَن القِطَّةِ التي ..!

[review]

تَقولُ لِقلبِكَ وهُوَ يَستيقِظُ مِن النَومِ:

هَذا فَجرٌ جَديد.

لكنَّهُ يَغِصُّ بِتثاؤبِ دَمْعَةٍ، وَتتَلاحَقُ أمامَ عينيكَ الإنكِساراتُ، بَينَما يُتابِعُ قلبُكَ شُربَ قهوةِ الأمسِ البائِتة دونَما شَفَقة،

مقالات ذات صلة

وَلا شَيءَ أضيقَ مِن فُسحةِ الأمَلِ في ..عَينيه!.

****

تَأخذني مِن يَدي لِلضباب; تِلكَ الذِكرى التي اُؤرِخُها بِ [ما بَعد اليأس، وما قبل البوعزيزي] .

.. أقُودُ سيارتي في السابعةِ تماماً في شارعٍ فرعي، أنا بِكاملِ إكتِئابي الصباحيِّ حينما فاجَأتني [قِطَّة صغيرة] تَتصدى لدهشتي بِإصرار التحدِّي ، تمِّدُ ذراعيها وَتَتوسَّد منتصف الطريق، وَكأنَّها أميرة حسناء تتيهُ دلالاً في سريرها الفاخر!.

حَسَناً، هي قِطّة صمّاء، هذا ما استنتجتهُ أخيراً بَعدَ أنْ فَقَدَ بوق السيّارة صوتَهُ دونَ جدوى، باستثناء كَمية لا بأس بها مِن الشتائِمِ ونظراتِ الإستياء التي بَدت واضحة في الأفواه والعيون ألمُطِّلة مِن نوافذ منازلها المحيطة بالمنطقة.

وَلأنَّ الشارع ضيِّق جدّاً وفي إتجاهِ سير واحد، لَم يَكُن أمامي إلا حل وحيد – أو أنّ هذا ما تفتقَّ عنه ذهني آنذاك في ظلِّ ندرة السيارات المارّة في هذا الموعدٍ الصباحي المُبَكِّر؛ وكانَ أن قُمتُ بقيادةِ سيارتي عكس السير عائدةً إلى بيتي.

****

هَل قُلتُ أنَّني عُدت؟ .

لا لَم أعُد تَماماً!، فَهذا التَصرّف القِططي النادِر المُمتد مِنَ السذاجةِ إلى العبقرية يُذهلني، فاحتمال أن تكون صمّاء لا يناسِب [هولمزيتي]، وابتسمتُ للخاطِر: لَم أسمَع عَن قِطةٍ مُصابة بالصَمم مِن قبل ، مَع أنَّ قريباً أعرٍفهُ كانَ يُربي قِطةً عَمياء، وَلقطَّتهِ [أم إسكندر] طرائِف قَد تلقيكَ أرضاً مِن شدّة الضَحِك، لَكِن، دَعكَم مِن أم إسكندر هذهِ وتعالوا مَعي.

هَل كانت شهوة رائحتها تِلكَ التي ألهَمتني أم أنّهُ هذياني؟ لا يهم فالأمر سيّان، كنتُ أشرب قهوتي عِندما صرختُ بإعلى صَوتي : نَعم، نَعَم ، القِطّة تُريد أنْ تَنتَحِر.

يا إلهي، كانَت تنتحِرُ عَلى حِسابِ صَباحي!.

– لماذا؟

– أحلامُها السياسية .

– يا لِلسذاجة! ، هي لا تطلبُ إلا الوجود.

– لِماذا؟

– ضعف تنميتها الإقتصادية.

– يا لِلغباء!، لا يوجد في عالمهم فساد.

– لِماذا؟

– قِصة غرامية فاشِلة.

– لا، لقد سبقتنا القِطط بدرجات في سلّمِ الوعي العاطفي.

– لِماذا؟

– إذاً،هي مُجرد تتآمر عَلى طزاجةِ مزاجي الإكتئابي .

– وأنتِ لديكِ جنون الإرتياب.

****

لَن أخبركم بإنني بقيتُ أضربُ أخماساً في أسداسٍ طيلة الظهيرة، حتّى أنّني كنتُ قَد بَدأت التفكير جديَّاً بالإستعانة بالعم (جوجل) كي أبحث في العلم السلوكيِّ لِلقِطط، وَقَد أضطر لزيارةِ المكتبةِ البعيدة عَن بيتي صباح الغد، رغم حيرتي أمام معضلةٍ واجهتني تَمثلّت في السؤالِ الكبير : هل عَلي أن أبحث عن تفسيرٍ لهذهِ الظاهرة ضمن علمِ الحيوان أم ضمن علم الإجتماع؟.

حَسناً، أيقظني من هذهِ الدوامة بوق الحافلة التي تُعيد طفلي من الروضة، وهرعتُ لإستقبالهِ هذهِ المرّة ومعي حكاية غرائبية وتساؤلات كثيرة، كنتُ قَد خطّطت لجعلهِ يَستفيد مِنها حتّى آخر نقطة وعي.

كانَ قد خلعَ زيّهُ المدرسي وارتدى ثيابهُ المنزلية واقفاً أمام بابِ خزانة الثياب المفتوحة عندما شرحتُ لهُ كيف عدتُ للبيت بعكس إتجاهِ السير، استدار وسألني: ألم تنزلي من السيّارة لتعايني القِطّة؟ ، أجبتُ بالنفي عِندما هزَّ رأسهُ بأسفٍ قائِلاً: (يا حرام، يبدو أنَّ ساقها كانت مَكسورة يا ماما! )، ثمَّ أغلقَ باب الخزانة وَتركَ الغرفة بينما بقيت أردد وَحدي:

كانَت ساق القِطّة مكسورة،

القِطة أرادت أن تنتحِر لأنّها مَ ك س و ر ة !.

أفتحُ جهاز الكمبيوتر، وأقوم بإنشاءِ ملّفٍ جديد، ثُمَّ أكتب في أعلى الصَفحةِ:

تَقولُ لِقلبِكَ وهُوَ يَستيقِظُ مِن النَومِ:

هَذا فَجرٌ جَديد.

لكنَّهُ يَغِصُّ بِتثاؤبِ دَمْعَةٍ، وَتتَلاحَقُ أمامَ عينيكَ الإنكِساراتُ، بَينَما يُتابِعُ قلبُكَ شُربَ قهوةِ الأمسِ البائِتة دونَما شَفَقة،

وَلا شَيءَ أضيقَ مِن فُسحةِ الأمَلِ في ..عَينيه!.

****

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى