على النهج / سهير جرادات

على النهج
سهير جرادات

يعد ” خلف العواد” من الطلبة الأشد فقرا، الذين ينتمون إلى أسر تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة ، فقد كان يأتي إلى المدرسة ويدخل صفه منتعلا حذاء قديما وممزقا ، وذات يوم طرح المعلم جائزة ؛ وهي عبارة عن حذاء رياضي لأفضل طالب ، شريطة أن يتم اختياره ديمقراطيا من قبل زملائه الطلبة.
وفي خطوة انسانية اتفق جميع الطلبة على تسجيل اسم ” خلف العواد ” على جميع أوراق الاقتراع ، ليضمنوا منح زميلهم حذاء فاخرا جديدا، ودون التأثير على نفسيته والمساس بكرامته أو جرح مشاعره .

و ما أن سحب المعلم أول ورقة عند الفرز ، حتى وجد اسم ” خلف عواد ” مكتوبا عليها ،لترشحه للفوز بالجائزة ، ويظفر بالحذاء الجديد ويتخلص من الممزق القديم .

كبر ” خلف العواد” ، ودخل معترك الحياة العملية ، وتبوأ منصبا حساسا ، بل حساسا جدا ، ولم ينس تلك الحادثة ، وإيثار زملائه له على أنفسهم ، ومنحه تلك الجائزة التي كانت في وقتها من أثمن الهدايا التي تلقاها في حياته ، واتخذ من تلك الحادثة نهجا له يعتمده كأسلوب في حياته العملية لوقع تلك الجائزة وتأثيرها في نفسه حيث حصل حينها على حذاء جديد، أدخل الفرح والسرور إلى قلبه ، وأحدث تحولا في حياته ، حيث أشعره بالتساوي مع زملائه الذين كانوا يتفوقون عليه اقتصاديا وينتعلون أحذية جديدة وليست ممزقة .

مقالات ذات صلة

أصبح ” خلف العواد ” ، يعتمد أسلوب الأوراق التي تحمل الأسماء المشابهة في حال قرر اختيار أحد الأعوان ليتولى موقعا معينا في العمل ، أو القيام بوظيفة بعينها ، وليس في هذه الحالة فقط ، إنما أيضا يستخدمها كذلك في حال أراد اقصاء آخر عن وظيفة ، أو نقله لوظيفة أقل منها درجة ، وفي جميع الحالات يقوم بسحب ورقة، مكتوب عليها اسم بعينه، يكون صاحب الحظوة الذي يظفر بالوظيفة العليا ، أو من يقع عليه الاختيار في عملية الاقصاء الوظيفي ، وبالطبع يتم ادراج ذات الاسم الذي يقع الاختيار عليه على جميع الأوراق ، وبهذا الأسلوب يضمن وصول ذلك الشخص المرغوب به، والمرحب فيه أن يصل إلى الوظيفة ، أو أن يقوم بالمهمة التي يريدها له ، وكذلك يضمن أيضا استبعاد أشخاص آخرين،بعيدين كل البعد عن تلك الوظيفة غير المرغوبين بها.

بالتأكيد فإن تلك الحادثة التي حصلت مع ” خلف العواد ” في الصغر أثرت به ، وحفرت وترسخت في ذاكرته، تماما كالنقش في الحجر لدرجة أنه اتخذ منها منهجا واسلوبا متبعا في حياته ، لكن بطريقة مغايرة ، وهذا دليل واضح على مقدار فهمه واستيعابه للحياة، والمعروف الذي قدم له من قبل زملاء الدراسة ،وحفظه للجميل ،ولكن استطاع أن يرده بطريقة مغايرة وعلى طريقته الخاصة .

بدا من الواضح أن حادثة الحذاء كان لها وقع خاص على ” خلف العواد “، ليس على قدميه التي سترهما ذلك الحذاء ، بل أيضا سيطرت على تفكيره وعقله الذي أصبح لا يتعدى كونه “نعلا قديما ” ، لا يخرج عن هذا النطاق.

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى