عدوى الاكتئاب ..

مقال الخميس 16-2-2017
النص الأصلي
عدوى الاكتئاب ..
هل الندرة تجلب السعادة والرضا النفسي؟ أم أنه لا علاقة بينهما…من الصعب أن أجيب على سؤال وضعته ، وربما لا يكون السؤال منطقياً في الأساس ،وعلى الأغلب هو هذيان عابر لاختراق مقدمة المقال الصعبة …
للحظة ما أشعر أن كثرة المعروض تسحب المتعة وتبدد السعادة وتؤثر على الذائقة..مهما كان هذا المعروض ؛ معروض غذائي،فني ،أدبي ، الخ..
في السابق كان هناك محطة تلفزيونية واحدة تعرض مسلسلاً واحداً للسهرة في الشهر لا خيارات أمام المشاهد الا أن يقبل ذائقة مدير البرامج ، ومع ذلك الى اليوم وبعد عشرات السنوات ما زلنا نتذكر أحداث المسلسل وأسماء الأبطال وألقابهم في ذلك العمل..كنا نعيش الحالة وندخل في جو العمل ونبكي كثيراً على موت الأبطال ونحقد كثيراً على أرباب الشر في المسلسل الذين يحيكون المؤامرات..حتى انطبعت الشخصيات في أذهاننا ،فالشرير يبقى شريراً حتى لو تغير دوره أو ظهر بمقابلة تلفزيونية لطيفة..هذه الأعمال على ندرتها كانت تصنع لنا السعادة..
***
من جانب آخر ، أنا انتمي إلى جيل،كانت الوجبة المنتظرة ذات القيمة الغذائية الهائلة هي وجبة الجمعة لأنها تحتوي على دجاجة أو دجاتين، كنا نعد المتبقي من أيام الأسبوع على أصابعنا كما يعد العاشق أيام اللقاء مع حبيبته ، والمعشوقة هنا الدجاجة طبعاً .. كان مذاق الدجاج آنذاك مختلفاً تماماً عمّا نأكله اليوم ، الإمساك بالفخذ ونهشه بطريقة عرضيه كالعزف على السكسفون متعة لا تضاهيها متعة على الإطلاق ، الا متعة شقيق يمسك برأس الديك أيضا ويقربه من عينيه بتروٍ وارتجاف وكأنه يريد أن يقنص قــُبله من الرأس المحمّر..العظام المكوّمة أمامنا منظفة تماماً ومرتبة تماماً ومثالية تصلح أن تهدى إلى مختبر تشريح لطلاب الطب..وقبل أن يرفع السدر من أمامنا، نودع هذه الوجبة بالقبل والتحسر كما تودع جثامين الزعماء ، ثم نستودعها السلامة إلى جمعة مقبلة إن شاء الله…المسألة غير مرتبطة بالطفولة وبالذكريات وحسب..يا جماعة الغذاء نفسه كان شهياً ولذيذاّ وطبيعياً..
التفاح على سبيل المثال، أول تفاحة قابلتها بشكل نظري كانت في كتاب الحساب الصف الثالث الابتدائي عندما وضعوا خمس تفاحات على اليمين وثلاث تفاحات على اليسار وإشارة الناقصة بينهما وأخيراً إشارة (يساوي) على اليسار..ثم كتب الله لي أن أقابل التفاح شخصيا بعد سنتين من القراءة والمطالعة والمراسلة والتعارف في كتاب الحساب…الندرة هنا أيضاَ صنعت سعادة…

أحد أخصائيي التغذية قال أن من أسباب اكتئابنا وعدم رضانا عن حياتنا ومستوانا المعيشي و عدم الاستمتاع في الأطعمة ،لأننا نأكل لحوم حيوانات مكتئبة في الأصل…
رد عليه أحدهم : يعني وين أدور لك على تيس مستأنس..أو دجاجة دمها خفيف..أو بعير مستلم راتبين!…كلها بالهوا سوا..يا عم

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. راح اترك سولافة الجاجة المنشكحة … والخروف المزهزه .. والبقرة المفرهدة .. والعجل الأخر روقان
    سؤالي عن أولئك الذين يحظون بكل شيء … لديهم كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين .. هل هؤلاء يصيبهم اكتئاب التخمة ..؟ على اعتبار انهم يسأمون من كل شيء … او يملّون من المتوافر الكثير..؟؟
    احيانا أظن انهم اذا ما اصابتهم اعراض اكتئاب النعمة الزائدة .. يتعالجون بفرض الضرائب على المسخمطين حتى يزيدوا من اكتئابنا ويأسنا .. فيتزهزهون ..!!!!

  2. لا أعتقد أن الندرة سبب للرضا وااسعادة … لكن ﻷننا اعتدنا ندرة محفزات السعادة اقتنعنا انها قاعدة صحيحة ..
    وهذا شيء مفيد يعني اننا تكيفنا مع الندرة ورسمنا اسلوبا للسعادة رغم ندرته …
    الانسان اﻷردني أكثر الناس تكيفا مع الواقع وشح السعادة وندرة الرضا ..ما لم يحدث تغيرات فجائية كارثية تقضي على رغبته بالبقاء .. تحياتي أستاذ أحمد على المقال الرائع

  3. اللي مش باليد… بكيد
    وعند امتلاكه نكون في قمة السعاده المرحليه النسبيه من شخص لاخر وبعهدها بفتره تزول سعادتنا وهذا ينطبق على الندره فالشي النادر يجلب السعاده وليست السعاده الابديه ايضا مرحليه

  4. لمنع سوء النية المتوقعة من البعض، اكيد السعادة مش “بندرة” الوصول الى اساسيات الحياة من مسكن وتعليم ومأكل ومواصلات وصوبات ومراوح موسمية، لأنه السعادة مش دايماً في العطاء، زي ما منسمع عن كذا شعب اجنبي شبع عطاء وما ذاق السعادة.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى