طفح الكيل / سهير جرادات

طفح الكيل
طفح الكيل.. .. ونحن بكل فخر وشرف نقدم أرواحنا في سبيل الله، فداء للوطن ، ونزف شهداء نفتخر بهم ونعتز ، في الوقت الذي يستهين من يتمتعون بمقدرات البلد بعقولنا ولا يحترمون حريتنا التي كفلها الدستور، متناسين اننا “عتاد “البلد .
طفح الكيل.. من كل جهة تلقي بالمسؤولية باتجاه الجهة الأخرى .. فيحمل هذا المسؤول تقصيره لجهاز بعينه ؛ يعتبره أخفق في تزويده بالمعلومات حول الحيثيات التي جرت ، ويعلل ذلك المسؤول سبب التأخر في شرح حقيقة ما جرى في “القلعة” أنه جاء مدروسا؛ حفاظا على أرواح السياح المتواجدين بداخلها ، متجاهلا تفسير كيف وصلت كل هذه الذخيرة إلى هذه المجموعة من الخارجين على القانون ، وتلك التصريحات التي لا تقنع حتى الأطفال، في كيفية ترك ذلك المطلوب في (قريفلا)، طليق اليدين ، فمكنوه منهم،وأجهز على عدد منهم.
طفح الكيل .. من حالة الفوضى والإرباك التي شهدناها في تلقي المعلومات وإعادة إنتاجها وتوزيعها، ومن حالة الإحباط والنقد القاسي لأداء الإعلام الرسمي ، ووصف مسؤول تدخل المواطن في العملية العسكرية ومساندته لرجال الأمن ،ودفاعه عن وطنه ، أنه أعاق العملية وعرقلها ! .. ووصل الأمر بأحد المسؤولين أن يصف فزعة المواطنين بأنها كانت سلبية ، مبينا أن نصف الأجهزة الأمنية التي أرسلت إلى هناك كانت تحاول ابعاد المواطنين عن منطقة الأحداث في قلعة الكرك ، حفاظا على سلامتهم ، متجاهلا شرح وتفسير ما حدث بدءاً من القطرانة حتى المسير إلى القلعة وانتهاء بقريفلا.. والأ ! هى والأمر أن يُطلب من المواطنين تحري الدقة في نقل المعلومة ، بحيث تستقى من الاعلام الرسمي، الذي كان مغيبا ،كما جاء على لسان الحكومة بطلب من الأجهزة الامنية ابعاد الاعلام بجميع أشكاله عن موقع الحدث ، فامتثل الاعلام الرسمي،لأنه إعلام مهني ، ولم يمتثل الاعلام الخاص .
طفح الكيل .. من الغياب المتكرر للرواية الرسمية ، ومن عقد المؤتمرات الصحافية الخاوية من مضامينها ، والعاجزة عن تقديم وصف دقيق وصحيح للإجراءات التي اتخذتها القوات الأمنية التي نفتخر بها ، حتى أننا لم نجد وسيلة سوى اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتكون مصدرا لنا لتقصى المعلومة بعد تكسير أقلام وكاميرات الاعلام الرسمي ، فيما كانت المعلومات تتضارب ،وفتحت المجال للإشاعات وبالذات ما يتعلق بأسماء الارهابين ، وأعدادهم، وجنسياتهم ، لتنتشر أقاويل أنهم من دول مجاورة وعربية ،ليتضح أنهم أردنيون أقحاح ، وانتشرت تسريبات لصور من داخل المراكز الامن! ية وعكف المسؤولون على تكذيبها ونفيها ، فلم تجد الأجهزة المعنية سوى أن تصدر تحذيرات من النشر، وكالعادة.
طفح الكيل .. من تبريرات مسؤولينا حول أسباب التأخر في تزويد اعلامنا الرسمي بالمعلومات لما حدث ، متجاهلين أنهم بذلك يقزمون الاعلام الرسمي ويضعفونه ، حتى وصل الامر لأن يقوم اعلاميون بإصدار بيان يستنكرون فيه تغييبهم عن الحدث ،من إداراتهم المصابة بحالة من الرعب والخوف، وبسبب انتظار التعليمات من جهات أو أجهزة أخرى ، ولوجود مدراء بيروقراطيين مرعوبين عاجزين عن معرفة التوجهات .
طفح الكيل .. من تقييد الحريات الاعلامية ، ونقل القيادة الاعلامية إلى “المواطن الصحفي” ، الذي سَخر كاميرا هاتفه لنشر الأحداث وتطوراتها عبر حسابه الشخصي على التواصل الاجتماعي ، ورغم ما رافقها من انتهاكات مهنية وأخطاء وإشاعات،إلا أنها شككت في الرواية الرسمية ، وعرت الاعلام الرسمي بصورة خاصة والإعلام بصورة عامة .
طفح الكيل .. من مسؤولنا الذي يعير الاهتمام بما يبث عبر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي ، فقط لأنها مسته شخصيا ، ويذهب في تبرير هجمته، أن لها دورا في زعزعة ثقة المواطن بأمنه وأمانه ، متناسيا أن تصريحاته المتضاربة هي سبب قلق المواطن وإحباطه.
طفح الكيل .. من تجاهل الحكومات لعقلية الأردنيين المتعلمين والمثقفين ، القادرين على الوصول إلى المعلومات وتحليلها وتفسيرها بطريقة تنسجم مع واقع مجرياتها.. هذه الحكومات التي يجب أن تُحاسب من قبل مجلس نيابي منتخب قادر علي سحب الثقة من أي حكومة مقصرة أو وزير مقصر، لا أن تعقد جلسة مغلقة بعيدا عن عين الرقيب الاعلامي ، وترفع بعد ساعتين ونصف دون الخروج بأي بيان ، أو قرار !..
طفح الكيل .. ونحن ننتظر أن نشهد جرأة كتلك التي تحلت بها ليلى شرف التي استقالت من منصبها كوزيرة للإعلام ،من مبدأ احترامها للمواطن وعقله وحريته المسؤولة، التي يضمنها له الدستور بعد أن وجدت اعلامنا بدائيا ، واكتشفت أن صحافتنا مخترقة، وهناك كتاب رأي في كل صحيفة يعملون لصالح أجهزة الدولة ، على مبدأ العبودية ويقومون بالكتابة بطريقة يرضون بها مرؤوسيهم ، والأجهزة التي تحرص على نشر الخوف من حرية التعبير عن الرأي بين المسؤولين على أنها تقود إلى الفوضى، بطريقة اصبح المواطن يلجأ إلى مسارب معرفية و أجهزة اعلام معادية.
طفح الكيل .. ونحن نراوح مكاننا منذ أن شهدت عاصمتنا الحبيبة عمان تفجيرات طالت فنادقها ، من تخبط اعلامي ، ناتج عن تداور وتبادل ذات القيادات كراسي مؤسساتها الرسمية ، التي كلما فشلت في مكان انتقلت إلى مكان آخر، لتنقل فشلها معها فتدمر المؤسسة الآخرى ، وشيدنا على أثرها مراكز لإدارة الازمات ، تغفل عن دورها الاساس في رصد الازمات وحلها قبل وقوعها.
طفح الكيل .. من عدم احترام بعض المسؤولين للمواطن وحريته المسؤولة التي يضمنها له الدستور ، طفح الكيل .. من مسؤولينا الذين ما زالت العقلية العرفية تمتلكهم ، وتمتلك قراراتهم ..
طفح الكيل .. من تغييب الكفاءات وتحييد المخلصين، والمتاجرة بأصحاب الولاء للحكومات وليس الدولة .. طفح الكيل.. من عدم الاستفادة من الدروس والعبر من كل حادثة تعصف بنا .. طفح وطفح الكيل .. من ترك المقصر دون عقاب ، والتغاضي عن الخطأ، ومرور الحادثة دون مرافقتها لسلسلة من التغيرات تطال المقصرين .. طفح الكيل ..وطفح الكيل…فالإصلاح يجب أن يكون حقيقيا وليس وهميا .. طفح الكيل .. فهناك رؤوس قد اينعت وقد حان قطافها ..
والله طفح الكيل.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى