سيرك هردبشتي/ يوسف غيشان

سيرك هردبشتي

تعرفون السيرك بالطبع .. ترون المدرب يحمل سوطاً طويلاً يلوح ويصفق به الهواء ، فيقفز الحيوان المناوب في دائرة النّار ، أو يقف على قوائمه أو يُقعي على مؤخرته ، سواء أكان الحيوان أسداً أم نمرا ، حصاناً أم قرداً أم فيلاً أم بطريقا ، أم نملة .
كلّ واحد عليه أن يؤدي نمرته المطلوبة منه ، فإن أجاد يعود إلى قفصه ليتناول وجبته وينام استعداداً للنمرة التالية المنوطة به .
أمّا من يفشل في تنفيذ نمرته ، أو يتقاعس عن القفز من دائرة النار ، فإنه يتعرّض لضربات السوط اللاهبة ، ثم يعود إلى ساحة التدريب حيث ينفرد فيه المدرب لتنفيذ برنامج تدريبي قاس يعتمد على السوط أولاً وأخيراً .
ومن يفشل في استيعاب العبر والدروس ولا يستفيد من البرنامج التدريبي المكثف ، فإنه يتحوّل إلى كتله لحم ترمى للحيوانات الأخرى الملتزمة بتنفيذ برنامجها ، على سبيل المكافأة.
طبعا هناك لاعبون آخرون يتقافزون على الحبال ويمسكون بأيدي بعضهم في الهواء ويسيرون على الحبال أو يتشقلبون على ظهور الجياد المسرعة .. وهناك آخرون يبتلعون السكاكين ، وآخرون ينفثون النار من أفواههم أو يأكلون الزجاج أو يدخلون الخناجر في مؤخراتهم .
هناك آخرون وآخرون … هذا هو السيرك العالمي !!
كنت أريد أن أقول أنّ الدول العربية مثل المشاركين في السيرك برعاية وحراسة وتنفيذ المدرب الأميركي .. كنت أنوي قول ذلك ، لكني اكتشفت الآن أنّ العالم بأكمله مجرّد لاعبين في السيرك أمام المدرب الأميركي ، مع اختلاف المستويات بين من يشاركهم ، ومن يتعاقد معهم مقابل أجر ، وبين من يستعبدهم .
ومع اختلاف أساليب المدرب من واحد شرس وشرّير ، أو واحد لطيف نسبيا ويحقق جميع أهدافه بالاحتواء الناعم !!
بين من يفرضون شروط عبوديتهم وبين من ينفذون الكلمة الأميركية بحذافيرها .
إنّها اختلافات . .صحيح .. لكننا داخل المجال الهندسي ذاته وداخل الدائرة ذاتها.
لكنّه ، أيضا ، يظلّ سيركا .. مجرّد سيرك !!
من كتابي(هكذا تكلم هردبشت)الصادر عام2011

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى