حالة من الاستقرار اللاّ مُستقر ! / إسراء حسام حمدان

حالة من الاستقرار اللاّ مُستقر !

ها أنا لأول مرة اطلّ على عالمي الرّديء بكلمات أقل منهُ رداءه ..
انا التي شقَّت طريقها بمفتاح “اللاّ أكترث” ولا زالت تكترث !
كأنني خُلقت لأحقق أحلام من حولي بأن ادوس على حلمي
انا فتاة من أب عربي و أم روسية .. لكنني لسوء حظي أسكن في بلاد أبي ولا انتمي اليه البتّه ..
غارقة بين ما يجب و مالايجب.. بين حُب أمي و اهمال أبي .. أعيش بين الفظاظة و الرِّقة
أمكث في سجنٌ عربيّ حُرّاسهُ أجانب أمارس فيهِ حُريتي المحدودة ..
أنا اليوم في الثالثه و الثلاثون من العمر ولا زلتُ عزباء او كما ينعتونُني “عانِس” .. نعم ثلاثة وثلاثون ولا زلتُ شريكة نفسي
بعد ان انهيت الثانوية العامة بمُعدل لا يبدو مثاليا لمُتَطفِّلي عائلتي..
التحقتُ بِكليّة الصحافة و الاعلام رغم اعتراض الكثيرون
و رغم ان أبي صاحب شركة المعدات الطبية كان ولايزال يراني أشبه بِوسمة عار لِاختلافي عن اِخوتي وباقي العائلة طموحاً او تمرُّداً !!
انهيتُ مرحلة البكالوريوس بنجاح محقق رغم الطيش واللامبالاة آنذاك
لكنني و بعدها أدركت بأن لا قيمة لإنسان بلا طموح
بدأت بنشر بعض المقالات الاجتماعيه والقصص الادبيه بطريقة مختلفة رغم افتقارها للتشجيع مما جعلها تنال اعجاب الكثير و انتقاد القليل
وبعد مدة زمنية حبائلَها لم تفوق السّنَه
تحدث الي مسؤول في احدى القنوات, ابدى اعجابه بطريقة طرحي للمواضيع و عرض علي تقديم برنامج تلفزيونيّ كتَجرُبة أوّليّة …
“تماسكت نفسي و تداركت عقلي حتى لا افقده.. اظن ان حلمي تعدى سقفه..
أخبرت ابي بتلك المكالمه, لكن صدمتي بالرفض القاسي جعلتني اسلك طريقاً غير مُتوقع”
و كأنني لا أختلف عمّن يدفن حيا, كل ما فعلته هو انني خُنقت من تراب التقاليد و حاولت الهروب من حُفرة العادات
قررت حينها ان أهجر العائلة بأكملها و اتخذ الغربة مسكناً أكثر أماناً لِحُلمي
لا أنكر حينها انني عانيت من كل شيء وبالاخصّ الوحدة , كفتاة كان يُقدَّم لها كل ما تريده على طبقٍ من ذهبٍ بوجهٍ عبوس, لكنها بلا نُكران لم تستمر..
و عنائي من دمعة امي التي شبَّهتُها بصور من الماضي -ذكرياتُها لن تفارقك-, كان وجعي عليها لا يفارقني
بل و من شعور أبي بالخَجل خاصّة أن اِخوتِه كانوا لا يختلفون عن الجزيرة , لا يصدقون خبر !!
تواصلتُ مع أمي كثيراً , و رُغم بكائها و معاناتها لم تخطو قدمايَ عكساً ..
و بدون ذكر تفاصيل المعاناة
لم اوقف مسيرتي التعليمية بل أكملتُ الماجستير بعناءٍ بسيط , و استمرّ مساري للدكتوراه حتّى أصبح الاعلام شريكي, صديقي, و كل عائلتي..
وبعد كل النجاحات الممتلئه بالوحده
وبعد فراق عشرة اعوام
ادركت بأن لا طعم للنجاح بلا شعور الفخر الذي كان من المفترض ان اراهُ في حديث ابي , وضحكة عينا امي و بقية عائلتي
انا الفتاة المُدللّه, التي بدأت بين أحضان والديها, و يبدو انني لن انتهي حيث بدأت..
اعلامية تمتلك شهادة الدكتوراه كتبت الكثير من المقالات, بلغت الثالثة والثلاثون , وحيدة و لم تتزوج ايضاً !!
لستُ ادري كيف أعود الى مجتمع يُقامر بأرواح أحلامنا حتى اللّحظه الأخيرة
لكن لحظة,, انا حقاً لا أكترث لهذا..
قررت العودة الى حيث ولدت و نشأت و كبرت , الى حيث الكلام العربي و الضواحي الشعبية, الى حيث العائله و الاصدقاء , الى لحن الطفولة الغابر , الى حيث هناك كان حُلمي جَنين.. بكل أسف الى الوطن الذي فيهِ كادت أن تموت نفسي و كل آمالي ..
عدت الى هناك بلا استقبال, لكنني بلا شك كنت انتظر نتائج اقل سوءا من مخيلتي .. لم أكن منطقية الخيال حتى ,,
لم ار احدا من اصدقائي الذين الفت وجوههم ولا العائلة -عدا شوق أمي الذي يضج عتاباً-
و كأنني أكثر جُرماً منهم , احييتُ أحلامي عندما حاولوا هدم شعرة الأمل فيها
وبعد مكوثي المميت بينهم لم تكن مشكلتهم هجرتي الماضيه او الوظيفة او النجاحات , كنت أكثر ما أسمعه هو انني عانس !!
أصبحتُ عبئاً على من ظن أن أحلام الفتاة الشرقية رجُل ,,
كما إنني لا أنكر ان كل من تقدم لي هذه الفترة كانت شروطَه تسبقه ..
كالحِجاب و الضرْب بوظيفتي عرض الحائط ..
شروط أي شرقي القيود .. رغم وجود أصحاب السلم العالي الا ان كل من قاد نفسه اليّ كان أسير عاداته ..
و أنا الآن يا عالمي شيطان شاذ سيء السمعة
يبدو أن من أراد تحقيق حلمه بينكم , عليه ان يضحي في كل شيء لا أن يُضَحَّى من أجله ..
صمودي بينكم قوة , لا قوة بعدها ..
لكنني كنتُ أخشى أن يتقدم الزمن بي فأتمنى عودته ,, فخسرت كل شيء حتى أصبح خوفي على ما تبقى من الخسارات هو خوفٌ زائِف.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى