تنفيسات شعبية / سهير جرادات

تنفيسات شعبية
سهير جرادات

باستهجان بالغ تابعنا خلال الأسبوع الماضي تلك التعليقات أو التنفيسات – إن جاز لنا تسميتها بهذا الاسم – التي صدرت من بعض المواطنين، وتجاوزت في حدودها سقف الحرية المعتاد ، بما حملت من مضامين غريبة وغير مألوفة، لا يمكن وصفها بأقل من التطاول غير المعهود.

والسؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين : هل مثل هذه التعليقات والتنفيسات مصطنعة أم مفتعلة، ومن يقف وراءها ؟

ذهب آخرون إلى أن هناك جهات أو افرادا تقف خلفها ، ويقصدون منها زعزعة الثقة بمسؤولين وشخصيات متنفذة للتخلص منهم ، وبالتالي يُثبتون أنهم الأقوى ، والأقدر على فرض سلطتهم وهيمنتهم .

مقالات ذات صلة

في وقتنا الحالي ، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ، التي بدأت تفرض انتشارها الإعلامي، مجالا رحبا ” للتنفيس الشعبي “، بعد أن كانت ” التنفيسات ” سابقا تقتصر على الفن وبالذات على خشبة المسرح ، حيث ظهر العديد من الفنانين في الوطن العربي الذين يمارسون عملية التنفيس ، وعرف عنهم الموالاة للأنظمة ، وقد مارسوا أسلوب التنفيس باتفاق ومباركة من أجهزة الدولة ، التي منحتهم الحرية على خشبات المسارح ، واشتهروا وعرفوا بأعمالهم الأكثر انتشارا ، حتى أطلق عليهم مصطلح ” فنانو السلطة ” .

من الواضح أن حكومتنا الحالية لا تهتم للتطور التكنولوجي وتأثيره على المجتمع، ولا تواكب مجرياته المتسارعة ، وكان اسرع الحلول واسهلها لديها توقيف من استخدم هذه المنابر الالكترونية للتعبير عن غضبه واعتراضه على مشروع قانون ضريبة الدخل ،الذي سيمس شريحة كبيرة من متوسطي الدخل ، ولاحقت الأجهزة الأمنية من قام بتسجيل فيديو تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويظهر فيه هذا الشخص في أثناء تحطيمه لساعات الكهرباء والماء الخاصة بمنزله ، مهاجما فيه رئيس الوزراء ، ومطالبا الحكومة بالرحيل ، ومهددا بإعادة الحراك إلى الشارع ، في حال بقيت الأوضاع الاقتصادية على ما هي، وتمت احالته إلى المحكمة لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقه .

وبهذه الخطوة لم تدرك الحكومة أنها تبث بين الناس تشويها لصورتها وانها نظام “هش “، يهاب تلك التنفيسات ، ولا يقوى على تحمل مثل هذه الاعتراضات ، ولا يستطيع أن يصمد أمام أي زوبعة تدور هنا أو هناك !

هل يعقل أن نقزم نظرة المواطن نحو نظامنا القوي بالخوف من مواطن عبر عن غضبه بعد تسريبات بشأن اقتراحات حكومية، لتقليص شريحة الإعفاءات في ضريبة الدخل، وتحطيمه عدادي المياه والكهرباء احتجاجا على ارتفاع الأسعار؟

وبهذه التصرفات قدمت الحكومة نفسها بصورة سيئة، متناسية أن دولتنا قوية تاريخيا ، اذ صمدت أمام أحداث عديدة مرت عليها ، بدءا من نكبة 48 ، وهزيمة حزيران ، وأيلول الاسود ، وفك الارتباط ، وحرب 73، وهبوط سعر الدينار ، والحرب العراقية الايرانية ، وحصار العراق ، والربيع العربي ، وحالات اللجوء المتعددة، وغيرها العديد من الاحداث العربية الأليمة .

إن الدولة التي تصمد أمام كل هذه التحديات هي دولة قوية وليست “هشة “، ولا يمكن أن تكترث لتنفيسات الكترونية تطلق من قبل أفراد عزل ، لا يمتلكون سوى سلاح الكلمة .

هل يعقل أن ضيق الأفق يوصلنا إلى أن نجعل من يكسر عدادي الماء والكهرباء يخيفنا ، ويزعزع ثقتنا ببلدنا ونظامه الذي يحظى باتفاق شعبي ،مع أننا كلنا يقين بأن الأمر لا يستوي دونهم ، ولا من دونهم .

لماذا كل هذا الخوف من مواطنين عزل ، لا يمتلكون من أدوات التعبير سوى الغضب والكلمة الناقدة ؟

هناك أمور أهم يجب الالتفات اليها ، حتى لا تعصف الرياح ببلدنا، وانتم لاهون بسفاسف الامور .

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى