تغيير الخريطة / سهير جرادات

تغيير الخريطة

قديما، كانت تعد في موسم العودة إلى المدارس قوائم المستلزمات المدرسية، وفي مقدمتها دفتر الطباعة بأوراقه الشفافة، التي تمكن الطلبة من رسم وطباعة الخرائط الجغرافية.
وكان السؤال الأصعب، وتحديدا في مادة الجغرافيا : ارسم خريطة الوطن العربي الكبير، وحدد عليها أسماء الدول ، وما يحدها من الشمال والجنوب والشرق والغرب ، ولون كل دولة بلون مختلف ، بعد تحديد البحار والأنهار والسهول والوديان!

قد لا تكون الحدود تغيرت على الورق ، إلا أنها تمزقت داخليا بين الطوائف والملل، وبين توزيع مناطق الإرهاب والإرهابيين ، فمنها ما بقي داخل الخط الحدودي للدولة ، إلا أنها لا تتبع لها ، بعد أن سيطر عليها متمردون ، أو فصائل من الجيوش التي انسلخت وتمردت على نظام الحكم ، وبعض الدول أضعفت بفصل جنوبها عنها ، وهناك غيرها من الدول طالها التغيير بأسمائها وبحدودها بالاقتطاع من ارضها!
اليوم ، لو طلب من الطلبة رسم التغييرات التي طرأت ، وكثرت على خريطة الوطن العربي الكبير، الذي ما عاد كبيرا ؛ إلا في فرقته وانقساماته الداخلية وانفصال بعض اجزائه، وتفتت اجزاء مفتته منه اصلا!
وفي هذه الظروف ازدات صعوبة الاجابة عن السؤال في رسم الحدود ، في حال لجأت كل دولة إلى رسم حدودها بمعاونة جيوشها ، أو بالاتفاق مع شركائها بالحدود على التنازل عن أجزاء من أراضيها ، واقتطاعها لتخصيصها لآخرين، لتلغى عن الخريطة مدن دينية وتاريخية، وتمنح أسماء جديدة، بعد منحها هدية وقربانا لمالكين جدد ،لا يملكونها أصلا ، وعلى مرآى من عيون أصحاب الأرض الاصليين.

ولا نستغرب أن نرى خريطة جغرافية أيضا تظهر فيها بحار وأنهار ومحيطات بأسماء جديدة ، بعد أن سحبت المياه العربية من تحت الأرض لخدمة مصالح ذلك المغتصب .هذا إلى جانب الصعوبة في تثبيت أسماء بعض الدول التي غيرها الثوار ، لكن الأمر الذي لن يحير الطلبة ، هو تلوين الخريطة ، لأنهم لن يجدوا سوى اللون الأحمر الذي يرمز إلى الدم، الذي أصبح ينتشر على امتداد سطحها .
أما الصعوبة الحقيقية فهي في رسم “خريطة الزعماء “، فيما لو طلب تثبيت أسماء الحكام والزعماء الجدد إلى جانب القدماء على كل دولة على الخريطة ، خاصة بعد أن تغير معظمهم ، بفضل التغييرات المتسارعة بالجملة ، فكانت نهاية بعضهم بالوفاة المفاجئة ، أو الاصابة بمرض، وبعضهم قضى بطرق وحشية، بسحل، أو قتل ، أو خلع ، أو شنق في صباحية عيد الأضحى ، ومنهم من مثل بجثته ، ووضع على ” الخازوق ” ، ومنهم من كان نصيبه الغدر من الأقربين، فذهب ضحية انقلاب أبيض من الابن على أبيه أو الأخ على أخيه .

مقالات ذات صلة

أن فكرة تغيير مناهجنا المدرسية أو تعديلها في وقتنا الحاضر ، فكرة ليست موفقة ، خاصة في ظل ما تشهده منطقتنا من تغيرات متسارعة ، وأحداث غير مفهومة ، وتطورات ربما تشهد ازاحة رئيس يتم حاليا البحث عن بديل له ، وبروز أسماء يتم تداولها بمساعدة قوى عالمية ، بعد أن يتم اقصاء آخرين فور انتهاء الدور المطلوب منهم ، الى جانب اقتطاع مساحات من دول وضمها إلى أخرى ، على مبدأ خذ مني لأعطيك ، أو من باب تقاسم حل المشكلات والأزمات بطريقة تحفظ حقوق اللعيبة الاساسيين في ” لعبة الكراسي ” ، للحفاظ على كراسيهم ، وعدم خسارتها .
ودمتم ودامت خريطة الوطن العربي ، بحدود وهمية ، وزعامات متغيرة ، وشعوب مقهورة، وحاضر بائس، ومستقبل قاتم!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى