الدراما الهنديه مرة اخرى / عالية الشيشاني

الدراما الهنديه مرة اخرى

اعترف ان طموحاتي تتقلص وتصغر احيانا الى درجة تمني العثور على مسلسل مشوق لمتابعته ، ولكن للاسف لا اجد ما اتعلق به من مسلسلات هذه الايام بعد رحيل العديد من نجوم الدراما العربيه تاركين فراغا فشل اللاحقون في سده .
ظننت انني سأجد مبتغاي في الدراما الهنديه لكنني اكتشفت ان محتواها في الغالب سيء ومنفر .
فمثلا في الافلام يتم تسويق نمط المجرم الانيق الوسيم صاحب العضلات المفتوله والقميص المفتوحة ازراره ، القاتل الواثق من نفسه . ونكتشف ان الدعاية التي تقوم بها القناة للترويج للفيلم تختصر الغاية من عرضه ، تترافق مشاهد مختارة بعناية مع صوت المذيع وهو يردد:
( هو قاتل محترف ، وبطل لا مثيل له ، يلتقي بها صدفة لتغير حياته) ، او هكذا ( رجل عصابة ، يلتقي بها لتبدأ قصتهما ) .
حقيقة لا يمكن انكارها ان الافلام الهنديه لها ملايين المتابعين حول العالم ، وربما كان الشباب واليافعون من كلا الجنسين يشكلون غالبية هذا الجمهور ، فكيف يمكن ان يبقى المتلقي حديث السن في منأى عن التأثر بهذه الدعوات لتمجيد الجريمة والمجرمين؟ وهل يكفي ان يتوب المجرم ويصبح انسانا صالحا في نهاية الفيلم لتبرير افعاله الاجرامية ؟ هل يريدون القول للمراهق كن مجرما وقاتلا لكي يكافئك القدر باجمل الجميلات لتكون من نصيبك ، الجريمه والسرقه والتغول على الطبقات المعدمه يقدم جنبا الى جنب مع اجمل الرقصات والاغاني والمناظر الطبيعيه الخلابه ، سم في الدسم .
حال المسلسلات ليس بافضل من حال الافلام بل ربما اسوأ ولمن يريد المزيد يمكنني تلخيص الخطوط العامه للمسلسلات الهنديه بالاتي :-
– في المسلسل الهندي ، فقدان الذاكرة امر حتمي ، وهو قدر على معظم ابطال المسلسل يصابون به تباعا ، وهو الحل الاسهل لتغيير مسار الاحداث بشكل مفاجىء .
– في المسلسل الهندي الكل قادر على استدعاء واستخدام عصابة للخطف او القتل ولتصفية الحسابات مع خصومهم ، الكل بمعنى الكل ، الرجل القوي ، والموسيقي صاحب الاحساس المرهف ، والفتاة الخجولة ذات الاساور والاقراط الكبيره والتي تتعثر بالساري اثناء المشي ، وحتى الجده العجوز يمكنها في لحظة غضب الاتصال ببلطجيه لتنفيذ أي جريمة دون اخطاء مثل اختطاف رضيع او اخفاء ادلة جريمة او قتل احد الخصوم . الكل يحتفظ برقم هاتف احدى العصابات ويستطيع اجراء اتصال وطلب المساعدة منها بنفس السهولة التي يطلب بها وجبة بيتزا ( دلفري) من احدى المطاعم .
– في كل مسلسل لا بد من شرطي فاسد وممرضة فاسده وطبيب قاتل .
– في كل مسلسل لا بد من وجود شخص مهووس او مريض نفسي ( رجلا او امراه) ، يحب بجنون ، يفرض نفسه وارادته على من يحب ولا يترك له مجالا للاختيار ، يقتل ويشوه ويرتكب أي جريمه في سبيل الحصول على محبوبه .
– الجرائم ترتكب بشكل سلس ودون تردد ، فتاة تلقي باختها في النهر الجارف لتقتلها لان خطيبها اعجب بها واراد الاقتران بها ،وفي نهاية المسلسل تتصالحان وكأن شيئا لم يكن ، ودون ان يترك الحادث اية عداوة او حتى الشعور بالمراره داخل النفس.
– مبدأ التقمص أي حلول روح شخص في جسد شخص آخر يعبر عن نفسه عن طريق ظهور شبيه طبق الاصل للبطل او البطله بعد موته او موتها .
– غالبية ابطال المسلسلات يظهرون على الديانه الهندوسيه ، وان حصل وظهر مكون آخر من الامة الهنديه كالمسيحي او المسلم فانه يكون ظهورا خجولا او كطيف يمر سريعا .
– في المسلسل الهندي دائما يتزوج الحبيبان رغما عنهما تحت ظروف خاصه ، ويبديان لبعضهما كل انواع الكره والاحتقار ، ولكنهما في النهايه ( في النهاية تعني بعد مضي 400 حلقه تقريبا) يتصالحان ويبوحان بمشاعرهما ويعيشان بسلام ووئام.
سحر وشعوذه وانتقام وقتل وابتزاز وجرائم لا تنتهي . هذه هي باختصار ملامح الدراما الهنديه ، ولكن لماذا اقول كل هذا الكلام ، فرب قائل وما شأننا نحن بكل هذا السرد ؟
بل كلنا معنيون بمعرفة حجم المتابعه في بلداننا للدراما الهنديه وما لها من تأثيرات على عقولنا، وقد قمت بجولة سريعه على صفحات الفيسبوك المخصصة لعرض وتلخيص احداث المسلسلات الهنديه وعرض اخر صور ونشاطات ابطالها ، واود التنويه الى ان لكل مسلسل اكثر من صفحه على الفيسبوك ، واليكم عدد المعجبين والمتابعين لبعض تلك المسلسلات بالارقام :
– مسلسل مادهوبالا ، حصد 12220 اعجابا .
– مسلسل ومن الحب ما قتل ، حصد 90912 اعجابا .
– مسلسل حبيبي دائما ، حصد 50537 اعجابا .
– مسلسل من النظرة الثانيه ، حصد في احدى صفحاته 10288 اعجابا ، وفي صفحة اخرى حصد 5624 اعجابا .

اطفالنا لم يعودوا يشاهدون القنوات المخصصة لهم الا نادرا ، والكثيرون منهم وخاصة الفتيات الصغيرات من سن 8 سنوات فما فوق مدمنات على متابعة هذه المسلسلات والافلام ،ويعرفن اسماء النجوم والنجمات فيها اكثر من اسماء اقاربهن . فما العمل ؟ الا يجدر باصحاب الاختصاص من تربويين واكاديميين وضع تصور وخطة للحد من هذا الغزو لعقول الناشئة والكبار على حد سواء .
عندما اناقش البعض في هذا الامر لا يقدمون سوى حلا واحدا ، الغاء تلك القنوات من اجهزة الرسيفر في المنزل ، متناسين ان الاطفال والناشئه يمكنهم العثور علي أي محتوى يريدون مشاهدته من خلال الاجهزة الذكيه كالهاتف والايباد وسواها .
الحل ليس في المنع ، بل في ايصال رسائل ضمنيه الى هؤلاء المتابعين الصغار ، بأن ما يشاهدونه على الشاشه ليس هو الواقع بالضرورة , وهذا ما افعله مع اولادي عندما تضمنا جلسة مشاهدة لاحدى تلك المسلسلات والافلام ، فكلما سنحت لي الفرصه اعلق على مشاهد العنف بالقول ان الهند برغم كل تعقيداتها الاثنيه والدينيه باتت اليوم من اكبر القوى الآسيويه ولديها من التشريعات ما تحاول به ضمان حقوق المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم ، وان ليس بالضرورة ان نصدق تلك الصوره النمطيه التي تقدم عن المرأة الهنديه ، المرأة التي لا هم لها سوى البحث عن زوج والتي تضطر الى تحمل كل الاهانات والشتائم وتهدر كرامتها في سبيل الحفاظ على التقاليد، واذكرهم بان الهنديات طبيبات ومعلمات وقائدات احزاب .

ترى هل افسد على ابنائي متعة المشاهده بتلك المداخلات، ام انني اسير على الطريق الصحيح؟ اتمنى من التربويين واصحاب الاختصاص الادلاء بدلوهم في هذا الموضوع .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى