الخِطاب الديني وتمأسس الفشل / وليد معابرة

الخِطاب الديني وتمأسس الفشل ..

إذا اعترفنا –كمسلمين- أننا أمة قد تخلّفت ورجعت إلى الوراء؛ سندرك أننا أمام قضية خطيرة، يجب الرجوع إليها ودراستها من جديد، لنتمكن من معرفة الثغرات المتواجدة فيها وطرق علاجها بأمثل الأساليب العلميّة المتوافقة مع الدين الحنيف. أمّا إذا قمنا –كعادتنا- بالتشنج ومعارضة الواقع، والعيش في بوتقة (اليوتوبيا) الزائفة، بحجة أننا أفضل أمه أخرجت للناس؛ فإننا سنبقى غارقين في الفَلَك الفاشل الذي صنعناه بقصد أو من غير قصد، وسيؤول أفراد الأمة إلى هاوية الجاهلية القديمة، التي عرفت بالوثنية ومأسسة الفكر الفاشل الذي لا يدافع حتى عن نفسه.

لا شك أن الله خصّ هذه الأمة بأن جعل جميع رجالها ملزمين بحضور خطبة الجمعة التي تعقد أسبوعياً، وهذا ما يشير إلى أن نشر الثقافة وتأسيس الفكر بين الناس، يُعدُّ جزءاً أساسياً من مشروعات الأمة الناجحة، كما أنه يعد فرضاً من الفروض التي تجاهلها المتجاهلون من السياسين والمسيسين لهدم هذا الدين العظيم.

مقالات ذات صلة

إن من أسباب تأخر الأمة وانحراف عوامّها عن الاستقامة، هو الخطاب الديني الموجّه وغير الموجّه، من الخطباء الذين يتسيّدون المنابر، ويبثون روح الكراهية والحقد من خلال كلامهم وفتاواهم غير المسؤولة، والتي يحرّض جزء منها على الكره وزرع الضغينة، وتكفير فلان، وتنصير علان، فضلاً عن تأصيل فكرة الفقه المسيس الذي لا نفع منه في زمن التكنولوجيا الحديثة.

لا أريد أن أطيل؛ فالمقال الصحافي لا يتجاوز المقال العلمي، لهذا فلا شك أننا بحاجة إلى خطابٍ إسلاميٍ واعٍ، يدرس حالة الأمة وينقب عن مواضع الخلل فيها، بحيث يكون ناقداً يخرج من خطباء أجلاء وَعَوَا خطّتهم المرسومة لهذه الغاية، حتى لو كان ذلك بأمرٍ مقيّد من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الأردن.

لقد قمت –قبل سنوات- بعمل إحصائية على عدد المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة، وقد استعنت -قبل فترة قصيرة- بأحد الفضلاء الذي زوّدني بالأعداد الجديدة من المساجد التي تعقد فيها خطبة الجمعة في الأردن، وإليكم ما وصل إليّ بشكل شبه رسمي:
– المساجد الموجودة في المملكة تقارب الـ (6000) مسجداً
– المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة تتراوح بين (3800-4000) مسجداً.

– لو افترضنا أن معدل الدقائق لخطبة الجمعة في كل مسجد تساوي (15) دقيقة، (ربع ساعة) فقط، وقمنا بضرب الـ (ربع ساعة) في العدد (52) وهو مجموع الأسابيع في السنة الواحدة؛ فإننا سنخرج بناتج يساوي (13) ساعة في السنة الواحدة، في المسجد الواحد.

– ولو قمنا بضرب الناتج (13) ساعة، بعدد المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة في المملكة، وعددها (3800) مسجداً على الأقل؛ فإننا سنخرج بناتج يساوي (49400) ساعة، أي ما يقارب الخمسين ألف ساعة، تضيّع سنوياً في مواعظ محفوظة في ذاكرة الشباب والشيّاب، وتعود وتتكرر كل مرة، ليتم حفظها وعدم تطبيق ما فيها، هذا على افتراض أن الخطبة لا تزيد عن الربع ساعة فقط.

ومن مبدأ تحقيق نتائج علمية وعملية؛ فلو قامت الجهات المعنية بتدريب الخطباء، وتلقينهم خطباً دينية محققة، وذات أهمية في بناء المجتمع النقي والمخلص، عندها سنخرج بثقافة متوازنة وزاخرة بالعلم المحقق، ومنها سينطلق مشروع الانتصار الديني والقومي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
نحن نعلم والآخرون يعلمون، أننا الأمة الوحيدة التي وصل عدد الأطفال فيها إلى نسبة (46%) من مجموع الشعوب، لذلك أطلق علينا اسم (الأمة الفتيّة)، فتخيلوا معي لو قمنا باعتبار هذه الدراسة ووضعِها في قائمة الأولويات، وعملنا من أجلها، لتحقيق الغاية المنشودة في بناء الفرد والجماعة، وبالتالي الإسهام في صناعة حضارة جديدة خالية من الشوائب الفكرية، عندها سنستطيع -بعد فترة من الزمان- القضاء على الإرهاب بمختلف أشكاله؛ لأننا سنكون قد أنتجنا جيلاً واعياً من الأطفال الذين يعتبرون من ركائز أيّ ثقافة مجتمعية، وسنتمكن من محاربة الأعداء بالطريقة المثلى التي حثنا عليها الله ورسوله في القرآن والسنة، لا بطريقة العصابات وتسعير الحروب التي لا تفرز إلا الدمار البيئي والإنساني.

أرجوكم، لا تفهموني بسرعة، فنحن أمام وضع متأزم، يحتاج منا الإبداع والتطور والمعاصرة، فلندع المهاترات والنقاشات العقيمة، ولنصنع مستقبلاً مشرقاً لهذه الأمة، التي بات أفرادها مهوسين في تمجيد ماضيها ولعن حاضرها.

والله من وراء القصد.
#الكاتب_وليد_معابرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى