التفكير خارج الكرتونة

[review]

التفكير خارج الكرتونة

إلى أستاذتي الكبيرة، الروائية سميحة خريس.

عندما فتحت النّافذة بغضب، مبديا انزعاجي الشّديد، لم يبادر ذلك الوقح بأي إيماءةٍ تدلّ على الاعتذار، بل أمعن في تحدّيه، رافعاً رجله، ثم تبوّل على بيت الزّعتر الذي يحاذيه. حدجني بنظرة استهزاءٍ قاتلة، وغادر الهوينى.

مقالات ذات صلة

ذلك القط السمين المستهتر، لا يعلم بأن حريّته في تشذيب مخالبه، عبر غرسها في الكرتونة الملقاة خلف الشبّاك، تنتهي برغبتي في الاستغراق بنوم عميق.

قبل أن تطلب منّي شراء كرتونة بيض، حاولت أمّي التخفيف عنّي، قائلة :

استهدي بالرحمن على هالصبح يمّه. سيبك منّه. هذا قط طايش.

لم أقتنع بتبريرها لفعلته ، فانطلقت إلى الدّكان quot;معمي ضوّيquot;.

أمام الدّكان، جلس اثنين من أولاد الحارة. سأل أحدهما الآخر:

– لو تربح مليون دينار، شو بتشتري؟

استند الولد، ومَرَشَ بكمّه ، أنفه المصاب بالرّشح، صانعا إشارة quot;نايكquot; على نصف وجهه الأيمن:

– بشتري كرتونة سردين.

توقّفت في طريق العودة مجبرا، فقد كان ميسّي يستعد لتنفيذ ضربة جزاء، عالحافي، فيما صُوّبت أبصار جميع من تعربشو على السّور، باتجاه كرتونة بسكويت ماري ، التي ستستقر في زاويةٍ ما ، بين عمودي الكهرباء الخشبيين (المرمى المفترض).

اضطرّني تباطؤ ميسّي الواضح في تنفيذ ضربة الجزاء، إلى استئناف المسير، فمشيت إلى جانب السور، تحت الأقدام المتدلّية للمشجّعين، الذين انهالوا عليّ بالركل على صرصور الأذن، والصفع العنيف على الرّقبة، على مرأى جمع من نساء الحارة، مستغلّين نقطة ضعفي وعجزي ndash; كرتونة البيض التي أحملها بحذر- ما أشعرني بضعف شديد جدا في الشخصيّة.

بحمد الله خرجت من المعركة، سالما ببيضي، فاستأنفت المسير، وقبل أمتار قليلة من البيت، أطلّ جارنا السبعينيّ ببؤبؤ عينه، من تحت quot; الشّماغquot; الذي التهم كامل رأسه :

– بيش أخذتها؟

– بليرتين وأربعين.

– أي، مليح.

تمغّط ردحا، ثم أدار لي ظهره ، و تابع استرخاءه في ظلّ شجرة الزيتون، مستلقياً على كرتونة ثلّاجة إل جي 20 قدم، متنعّما بدفء شمس الضّحى.

**********

يشدّد متخصّصو التنمية البشريّة، على أنّ نظرية التفكير خارج الصندوق، هي الطريقة الوحيدة للتطوّر، والتنمية والنجاح، على الصعيدين الفردي والمجتمعي. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يمكن التفكير خارج الصندوق الفارغ … إلا من الحلم بامتلائه؟

يقول الأديب الأردني هاشم غرايبة، في روايته quot; أوراق معبد الكتباquot; ، مشيرا إلى مدينة البتراء العظيمة : (لكنّ السّر هو أنّ هذه المدينة العظيمة، بنَتها الأحلام الكبيرة … والأحزان العميقة أيضا).

نحن منذ خلقنا، نعيش حزنا عميقا، وجراحا تُثخِن قلوبنا بالوجع. فهلّا ملأتم كراتيننا، كي نمنح لأحلامنا الصغيرة فسحة ً، لتكبر .

* نظرية التفكير خارج الصندوق هي أحدى النظريات البارزة في مجال التنمية البشرية، وتقوم على فكرة حل المشكلة بالنظر بعيدا عن المشكلة نفسها، أي عن طريق النظر إليها من الخارج ، كي لا يتأثر حلنا المفترض للمشكلة بمشاعرنا الداخلية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى