التفاف “عفوي”

كي لا يسبقهم الزمن ..يأتي أمر مسبق الى مختلف الجهات والدوائر والوزارات..فيتم التنفيذ على وجه السرعة..تعمل مطابع الصور 24 ساعة ، وخياطة الأعلام طوال الأسبوع ، يتم انتاج تي شيرتات موحّدة، و شبرات ملونة للرأس، كما تصممحطّة تحاكي المناسبة ، ويعمم بالمرّة على الآف الخطّاطين بضرورة التقيد بسرعة الانجاز، صوت الجرافات وقلاّبات الأشغال توقظ المواطنين القاطنين في المنطقة ، فتبدأ عملية توسيع الطرق، وتعبيد الساحات الكبيرة، وتغيير الإضاءة، واستحداث منصّات للخطابة بتقصّد ، لكنها تبدو للغافل أنها جاءت بفعل الطبيعة ..لجنة المرور المركزية تعقد اجتماعاً طارئاً توضّح فيه الطرق البديلة، ومسار المظاهرات والمسيرات..بينما تكثف لجنة الشعارات المركزية من اجتماعاتها الطارئة لكي تخترع شعارات حامية..قد تكون قصيرة لكنها غنية بالسجع والوزن..ثم أخيراً يتم الاتفاق مع سيدات ذوات خبرة فيشق الثيابوحثو التراب…وشباب بارعين في الهتاف ومناكفة الأمن للقيام بالواجب…

ما سبق هي ترتيبات روتينية في دولة عربية أبدى رئيسها رغبته في الاستقالة، أو عدم الترشّح..كل شيء مرتبط مع ساعة الصفر، بمجرّد القاء الزعيم عديم الرغبة كلمته المتلفزة..حتى تقوم الأجهزة ألأمنية باستخراج الشعب من درج الانبساط، ليمارس واجبه فيالالتفاف العفوي حول القائد..فتحمل ملايين الصور المطبوعة، مشفوعة بشعارات الرجاء سلفاً،كما تلوّح بأعلام ذات الوان جديدة ،مرتدين تي شيرتات عليها صورة الزعيم وهو يخطب رافعين لافتات مثقوبة لتسمح بمرور الريح ،معصوبين الرأس بعبارات للقائد الفذ،راكضين في الطرق الموسعة خصيصاً لهذه المناسبة، معتصمين في الساحات المعبّدة وعلى المنصات المتوفرة بفعل الطبيعة..كل هذا دون ان تحدث أزمة سير او اختناقات مرورية بفضللجنة المرور المركزية..يبقوا أياما وليالي امام قصر الزعيم هاتفين مرددين بشعارات حامية مطرزة بالتوسل..مع ضرورة ظهور حالات اغماء لمواطنات شققن ثيابهن وحثون التراب على رؤوسهن..ولقطة تلفزيونية لشاب اشتبك مع الأمن في محاولة بائسة للدخول على قصر الرئيس وتقبيل يديه – عنوة وعن سبق اصرار وترصد- لثنيه عن الاستقالة…

أخيراً،و تلطّفاً بالشعب المعتصم تحت الشمس وتحت البرد ، ورحمة للناس المصدومة ، وخوفاً على مصير الأمة المكلومة، واستجابة لصرخات حرّة من حرائر الوطن وازعيماه، يزرّر الرئيس بيجامته، ويلبس بابوجه القطني..يحكّ أعلى وركه..ويقبل الترشّح..
***
في عالمنا العربي كل شيء مدبّر..من خطابات النصر المؤزّر…الى خرير سيفون المسؤول وأصغر…
***
السيد محمود عبّاس..ألفناك تقرأ الفاتحة قبل كل اجتماع رسمي..فهلاّ قرأت سورة الناس في آخر موقف رسمي..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى