اقتصاد الحوينة / يوسف غيشان

اقتصاد الحوينة

لو أن بحوثا أوروبية تجرى حول درحة اخلاص المرأة لزوجها في العالم، لتم تصنيف المرأة الأردنية كواحدة من أوفى النساء وأكثرهن إخلاصا وحبا لأزواجهن. ولأن الأجانب يبحثون عن الأدلة الواقعية والمنطقية ، فسوف يكون دليلهم على هذا النتيجة، هو أن مطبخ المرأة الأردنية لا يخلو من شباح او سروال زوجها اوقميص له (أحيل على التقاعد المبكر)تستخدمه في التنظيف….. يعني حتى في وقت التنظيف متمسكه في شي يخص بعلها المحترم ، او تصنع من بعض ملابسه مسّاكات للصواني الخارجة من الفرن للتو، او ربما تصنع أداة للتنشيف(حسب نوع القماش)، لا بل أن بعض النساء (المعدّلات) يصنعن من بعض ملابس الزوج قطعة لحفظ الإبر والميابر بعد الاستعمال( ربما يكون لها اسم ما لا أعرفه).
بالطبع قد تكون المراة الأردنية من النساء الأكثر إخلاصا(وهذا ما لا يمكن قوله عن الرجل بذات درجة الثقة)، لكن السبب الذي أوصل الفرنجة الى هذا الإستنتاج الإستنباطي، غير صحيح على الإطلاق، ولا علاقة له لا بالحب ولا بالإخلاص ولا بالوفاء بأنواعه ومستوياته، والقارئ وأنا اعرف بأن الموضوع لا يتعلق بالحب بقدر ما يتعلق باقتصاد(الحوينة) وأساليب التحايل على الفقر التي كنا نتقنها قبل عقود، ولا تزال بقاياها عالقة في الأرياف والقرى الأردنية.
اقتصاد الحوينة لا يتعلق بملابس الذكور فقط، بل بكل شئ من الممكن تدويره فورا وتحوير استخداماته دون كلفة عالية، فالبرادي القديمة مثلا، تتحول الى وجوه مخدات، وبعد ان ينتهي دورها هناك، تتحول الى مساكات في المطبخ، أو شرائط تمسيح، أما الجرازي القديمة فكان يتم فرطها وتحويلها الى جرازي جديدة، او ارسالها الى مطحنة الشرائط التي كانت تتجول في القرى الأردنية (وربما ما تزال)، ثم يتم تحويل الصوف المفروم الى خيوط ، ثم الى بسط وسجاجيد محترمة، لا يزال عندي ثلاث منها حتى الان.، وهي جميلة ومتينة، ولا يفرقها عن البسط التقليدية المعروفة، الا صاحب العين الخبيرة.
طريقة الحوينة، يتم ادخالها في مجال الطبيخ ايضا، فبقايا المريس من المنسف تتحول الى رشوف(شوربة حامضة ) بعد غليها مع العدس والرز والبصل. وتبدع خزامى(زوجة صديقي مدحت) في تحويل اي شئ من بقايا طبخة اليوم الى طبخة جديدة ولذيذة غدا، والى شوربات معقولة بعد غد.
بالتأكيد فإن أجدادنا في الأندلس قد نقلوا هذه الخبرات الى الإسبان، ولا تزال حتى الان اهم طبخة شعبية لديهم تتكون من بقايا طبخات الأسبوع يتم دمجها في طنجرة واحدة وتسمى (بيايا) وربما يكون اسمها العربي «بقايا»، طبعا حولها الإسبان فيما بعد الى طبخة شعبية مكونة من عدة انواع من اللحوم والأسماك والرز معا، دون ان تكون من بقايا الطعام.
في الكرك…يسمون هناك وجبة في الأسبوع تسمّى(ضب عوار) ويعني إخفاء الغلط..وتتكون من بقايا الطعام الذي لم يستهلك خلال الأسبوع، يوضع عى المائدة في اليوم الأخير من الأسبوع ويتم اكله هنيئا مريئا ، حتى لا يذهب للنفايات.
هذه الطرق في اقتصاد الحوينة ، الذي يبدو اننا اليوم في أشد وأمس الحاجة للعودة اليها للاحتيال على الفاقة وضيق ذات اليد والجيب والرئة.
وتلولحي يا دالية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى